«أبل» .. التأخر بعصرية خير من أن تصل مبكرا

«أبل» .. التأخر بعصرية خير من أن تصل مبكرا

كشفت شركة أبل أخيرا عن نظارة "فيجين برو" البالغة قيمتها 3499 دولارا، وهي نظارة "الواقع المختلط" التي طال انتظارها. لقد استحضرت أوصافا كثيرة -"حاسوب مكاني يدمج بسلاسة المحتوى الرقمي مع العالم المادي"، و"مسرح سينمائي شخصي بشاشة يبدو عرضها 100 قدم"- لكن ظلت كلمة واحدة غائبة تماما، "ميتافيرس".
كان ميتافيرس، وهو عالم افتراضي يلتقي فيه الناس على شكل صور رمزية للعب والعمل والاختلاط مع بعضهم بعضا، آخر الصيحات منذ وقت ليس ببعيد. أعادت شركة فيسبوك تسمية نفسها "ميتا" في 2021، وكشفت شركات من مايكروسوفت إلى سوني بفخر عن نظارات. لكن الرؤية المستقبلية التي أثارت حماسة المديرين التنفيذيين لم تثر إعجاب المستهلكين.
"هذه من أجلكم (...) الناس الذين يفضلون مواكبة الموضة مبكرا على أن يتأخروا ليبدوا عصريين". هكذا كشف مارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذي لشركة ميتا، النقاب عن نظارة ميتا كويست برو الاحترافية ببعض السخرية العام الماضي. وكما هو متوقع، انضمت "أبل" إلى الحفلة متأخرة تعلوها نظرة استخفاف تجاه الوافدين المبكرين.
أخذت "أبل" وقتها. لقد كانت تعمل على الواقع الافتراضي والواقع المعزز منذ سبعة أعوام ولا تزال "فيجين برو" تفتقر إلى التصميم الأنيق الذي تعرف به، إذ إن النظارة مربوطة ببطارية منفصلة. لكن الذين جربوها فترة وجيزة أعجبوا بالوضوح العالي للصور والفكرة وراءها.
أخبرني فرانسيسكو جيرونيمو، محلل في شركة آي دي سي أوروبا "تعلم أن هناك شاشة أمامك، لكن تبدو الصورة حقيقية للغاية. لم يسبق لي أن شعرت بهذا الشعور من قبل". وقال ليو جيبي، من شركة سي سي إس إنسايت، إنه جرب عشرات من النظارات على مدار أعوام و"يمكنني القول إن هذه أفضل تجربة مررت بها على الإطلاق".
لم تدع "أبل" أمر النقود يقف في طريقها. بسبعة أضعاف سعر نظارة كويست 3 من "ميتا"، المصممة لتأدية بعض الخصائص نفسها، فإن "فيجين برو" باهظة الثمن على نحو جريء. ترص 23 مليون بكسل في شاشتين صغيرتين، يتم عرضها من خلال عدسات مخصصة، بصور ومقاطع فيديو تعالجها شريحتا "أبل".
يبدو هذا مبالغة، لكن إحدى مشكلات الواقع الافتراضي هي أن التكنولوجيا لم تكن كافية. بدلا من أن يتم نقلهم بسلاسة إلى العالم الرقمي المثالي، شعر مرتدو النظارات بعدم الارتياح والضياع وأحيانا بالغثيان. كما بدوا سخيفين ومنفصلين عن محيطهم.
لم أكن في كاليفورنيا لحضور حدث الإطلاق، بل كنت في متحف أذور ورلد شرق لندن، الذي وصف بأنه "تجربة الواقع الافتراضي الأكثر تفاعلية في العالم". هناك، ارتديت نظارات إتش تي سي فايف برو، وحملت جهازي تحكم ودخلت في حجرة للعب ألعاب مختلفة، بما فيها "فروت نينجا"، على جزيرة في ميتافيرس.
كان الآخرون مستمتعين، لكن جل ما شعرت به بعد نصف ساعة كان دوار الحركة والرغبة في الهروب إلى الخارج. حاولت "أبل" التغلب على المشكلة الأولى، الشائعة بين النظارات، بتقديم الصور بسرعة كافية كي لا يكون هناك تأخر ملحوظ، وبالتالي يقل الغثيان.
لكن هناك صعوبة أعوص في الواقع الافتراضي، وهي فكرة ميتافيرس نفسه. بغض النظر عن مدى حماسة زوكربيرج وآخرين لتحويلنا إلى رسوم متحركة لقضاء ساعات في العوالم الافتراضية، يظل الأمر غير مقنع باستثناء الألعاب. لم يسبق لي أن انجذبت نحوه، وبالحكم على أرقام المبيعات، لم ينجذب آخرون كثر أيضا.
من الطبيعي أكثر أن تظل في العالم ذي الإضاءة الجميلة عالي الدقة الذي نعيش فيه بالفعل ومن ثم إضفاء عناصر رقمية عليه باستخدام التكنولوجيا. هذه الفكرة، المعروفة باسم الواقع المعزز، هي ما استهدفته "أبل" باستخدام "فيجين برو"، وقد نجح عرضها قبل أسبوعين في توضيح كيفية عملها.
أول ما يراه المستخدمون بعد ارتداء النظارات هو الغرف الموجودون فيها، وليس العالم الافتراضي. ثم تعرض المجموعة المعتادة من تطبيقات أبل ويختارونها باستخدام حركات العين واليد، وتفتح فيما يشبه الشاشات. حتى لو كانوا يشاهدون فيلما، يمكنهم معرفة ما إذا كان أحدهم يقترب منهم.
بل وتعد "فيجين برو" مرآة خادعة، فبدلا من كونها جهازا للواقع المعزز، فهي عبارة عن نظارة للواقع الافتراضي تتظاهر بأنها جهاز للواقع المعزز. يرى المستخدمون صورا للعالم عبر كاميرات عالية الدقة. لم تنجح "أبل" بعد في تحقيق الإنجاز التكنولوجي المتمثل في صنع نظارات حقيقية للواقع المعزز.
لذلك، في حين افتتح تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة أبل، خطابه بالقول إن "الواقع المعزز تكنولوجيا متعمقة"، أشار أيضا إلى "فيجين برو" على أنها "بداية رحلة". ربما كان هذا حكيما، لن أتسرع في إنفاق 3499 دولارا على هذه المحاولة الأولى لتحويل نظارة إلى تكنولوجيا لا غنى عنها.
لكن "أبل" حققت أمرا واحدا في الأسبوع الذي كشفت فيه النقاب عن النظارات، فقد جعلت جاذبية الجماهير لهذا الجهاز أمرا معقولا. كشفت النقاب عن شيء أكثر ألفة وأكثر تعقيدا من المنتجات السابقة، وجعلت العوالم الافتراضية اليوم أقل جاذبية. الميتافيرس متعدد الأغراض بدا محفوفا بالمخاطر المالية أصلا، والآن يبدو قديما.
ليس بالضرورة أن يكون مقدرا لـ"أبل" الهيمنة على الواقع المعزز، إذ بحلول الوقت الذي تصل فيه نظارات فيجين إلى سعر ميسور، سيكون لدى آخرين الوقت الكافي للتعديل. لكن لديها عادة تعريف التكنولوجيات، من جهاز ماكنتوش إلى جهاز آيفون. وفي دليل أسبوع كشف النقاب، لا تزال تملك براعة التأخر العصري.

الأكثر قراءة