الأثاث الهرموني
لا تستطيع أن تتخيل منزلا أو مكتبا أو أي مكان حولك يوجد فيه بشر من دون أثاث يوفر لأجسامنا الراحة ولأعيننا ونفسياتنا المتعة والجمال، لذا تجد سوق التصميم الداخلي مزدهرة وتجارة الأثاث في ازدياد لتغطية متطلبات السوق، ويكلف تصنيع الأثاث الذي لا يخلو من الأخشاب في الأغلب مبالغ طائلة بداية من تكلفة قطع الأشجار ونقلها، إلى تكلفة تشغيل المصانع بما تتضمن من عمالة وآلات، فضلا عن الأضرار البيئية التي يتكبدها كوكبنا جراء كل تلك العمليات. يخسر كوكب الأرض أكثر من 15 مليار شجرة سنويا، ويتوقع العلماء اختفاء الغابات التام خلال الفترة ما بين 100 و200 عام جراء ذلك، وتمثل الأخشاب ضرورة قصوى لعديد من الصناعات، وطبقا لموقع ستايستا بلغت مبيعات الأثاث 114.5 مليار دولار في الولايات المتحدة في 2019 فقط!
ما دفع مجموعة من الباحثين من جامعة إم أي تي الأمريكية للبحث عن طريقة تحد من هذا الهدر وتوصلوا إلى فكرة تحويل النباتات معمليا وتعديلها، لكي تمتلك صفات وخصائص الأخشاب وكذلك التحكم في شكلها لتمنحنا أثاثا جاهزا دون مصانع!
وتعتمد التقنية التي ابتكرها الباحثون على التحكم في الصفات الكيميائية والميكانيكية لخلايا نبات "زينيا" لإكسابها صفات الخشب مثل الكثافة والصلابة، وذلك بزراعتها في وسط هلامي يحتوي على مستويات عالية من الهرمونات التي تحدث تغيرات واضحة تحدد الشكل الهيكلي للنباتات، ما أدى إلى نمو خلايا صغيرة بنيتها أكثر كثافة من الخلايا المعتادة وزيادة صلابة المواد النباتية المزروعة، إضافة إلى زيادة كمية مركب "اللجنين" الذي يترسب في جدران الخلايا النباتية فيكسبها المتانة ويجعلها قريبة من الخشب.
يقول لويس جارسيا المشرف على الدراسة، "تسهم تلك التقنية في تطوير الخلايا النباتية لما يشبه الخلايا الجذعية، أي أن الباحثين يستطيعون توجيه تلك الخلايا فتتطور وتنتج خلايا بالصفات التي يريدونها".
وتهدف الدراسة إلى توجيه النبات لينمو بالشكل الذي يريده الأفراد مثل كرسي أو طاولة، ولتحقيق ذلك الهدف استخدم الباحثون تقنيات الطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد لتشكيل المواد النباتية، والحصول على أجسام ذات أحجام وأشكال محددة لا يمكن الحصول عليها طبيعيا عبر زراعة الأشجار التقليدية!
وهذه التقنية تجنب صناع الأثاث الحاجة إلى قطع أشجار الغابات، كما تمنح الوقت الكافي للأشجار في الغابات لتنمو ونستطيع الحصول على أخشابها، إذ تستغرق هذه العملية عشرات الأعوام، كما تقلل من العمليات الصناعية اللازمة لتصنيع الأثاث، ما يخفض من استهلاك الطاقة ويحد من كمية النفايات الناتجة عن تلك العمليات.
فهل سنتمكن من صناعة أثاثنا في بيوتنا؟!