أمريكا اللاتينية تواجه تحدي السياسة الثلاثية «1 من 2»
تواجه أمريكا اللاتينية ثلاث مشكلات اقتصادية كلية رئيسة هي، نمو دون المستوى، وعجز مالي، وتزايد معدلات عدم المساواة بسبب الفقر. ويتطلب حلها معالجتها في وقت واحد، واعتماد استراتيجية تأخذ في الحسبان التفاعلات المعقدة للمشكلات مع بعضها بعضا.
وكانت أمريكا اللاتينية تشهد نموا اقتصاديا دون المستوى قبل وقت طويل من اندلاع أزمة كوفيد - 19، وذلك بسبب انخفاض الإنتاجية وتراجع نمو الاستثمار. إذ انخفض متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي للفرد 0.7 في المائة في الفترة ما بين 2015 و2019، وهو أقل بكثير من متوسط النمو الإيجابي للاقتصاد الصاعد والنامي البالغ 2.9 في المائة. وقد زاد الوباء من ضعف آفاق النمو في المنطقة، وأدى إلى انتعاش غير متكافئ قد يؤدي، في غياب الإصلاحات الهيكلية، إلى "عقد ضائع" آخر.
وبسبب الوباء أصبحت أمريكا اللاتينية تعاني اختلالات مالية كبيرة وأعباء الديون. إذ في الفترة ما بين 2019 و2020، قفز العجز المالي من 4 إلى 8.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي "في المتوسط"، وارتفعت نسب الدين بمقدار تسع نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي. ورغم أن نسب الديون انخفضت في 2021 ـ ما يعكس وقف الإنفاق في إطار الاستجابة لكوفيد - 19 وارتفاع التضخم ـ فإن ارتفاع أسعار الفائدة وما يرتبط بها من تشديد للأوضاع المالية العالمية يعني أن التحدي المالي الذي تواجهه أمريكا اللاتينية سيشتد.
إن التفاعلات بين هذين التحديين السياسيين ـ النمو والاستدامة المالية ـ معروفة جيدا. إذ يمكن للعجز المالي المفرط أن يلقي بظلاله على آفاق الاقتصاد الكلي، وأن يتسبب في نضوب الاستثمار الأجنبي، ما يؤدي إلى ضياع فرص النمو. وفي الوقت نفسه، يزيد النمو المنخفض من صعوبة تحقيق الاستدامة المالية. لقد ألقت هذه المشكلات المترابطة بثقلها على أمريكا اللاتينية في الماضي.
ولكن هذه التحديات تزداد صعوبة الآن بسبب عامل ثالث وهو أن المستويات المرتفعة من الفقر وعدم المساواة ـ التي تفاقمت بسبب التأثير غير المتكافئ للوباء في السكان ـ عززت التصور السائد منذ أمد بعيد للظلم. وأضاف هذا الشعور العام الواسع النطاق قيودا اجتماعية وسياسية على إصلاحات السياسة.
وبالفعل، يكافح صناع السياسة لتلبية مطالب الناخبين بزيادة مستوى الرفاهية الاقتصادية، كما أن المكاسب في مستويات المعيشة انهارت في الأعوام الأخيرة. ويعكس هذا إلى حد ما نقطتي ضعف كانت المنطقة تعانيهما بصمت لعقود من الزمان، وكشف عنهما الوباء.
أولا، تغيب أحيانا قدرة الدولة اللازمة لتقديم خدمات عامة عالية الجودة ومتاحة على نطاق واسع. كان هذا واضحا من خلال التنفيذ غير المتكافئ لسياسات احتواء الفيروس، وبطء الاستجابة فيما يتعلق بالرعاية الصحية وعمليات التطعيم في بعض المناطق، والخسائر التعليمية الناشئة عن الثغرات اللوجستية والتناقضات فيما يتعلق بالوصول إلى الأدوات الرقمية أثناء إغلاق المدارس لفترة طويلة.. يتبع.
خاص بـ"الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2023.