حقبة عائلة باركلي تنتهي بعرض صحيفة «ذا تلجراف» للبيع
خيمت صدمة هذا الأسبوع على غرفة الأخبار في صحيفة "ذا تلجراف"، المشجعة منذ فترة طويلة للقيم المحافظة ذات الميول اليمينية في المملكة المتحدة، حيث انتشرت الأقاويل بأنه قد يتم الاستيلاء على ملكية عائلة باركلي لها من مجموعة لويدز المصرفية.
قال أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في الصحيفة: "لست مدركا تماما حقيقة أننا لم نعد نقدم تقاريرنا إلى فرد من عائلة باركلي لأول مرة منذ 20 عاما".
لكن كان هناك أيضا شعور بحتمية هذا بعد أعوام من الحديث عن عملية بيع محتملة وتكهنات طويلة بشأن الديون الضخمة التي سمح لها بالتراكم في الشركات القابضة المملوكة لعائلة باركلي، التي تشمل أيضا مجلة "ذا سبكتيتور".
تمثل الخطوة التي اتخذتها "لويدز" باستدعاء الحراسة القضائية للسيطرة على "ذا تلجراف" المستمرة 168 عاما نهاية حقبة لعائلة ثرواتها التي بناها سير فريدريك والراحل سير ديفيد باركلي في العقارات والتجزئة والخدمات اللوجستية، خضعت للتدقيق في الأشهر الأخيرة بعد سلسلة من الدعاوى القضائية كشفت عن نزاع مرير بين أفراد العائلة إضافة إلى ضغوط مالية متنامية.
لقد كان استحواذ التوأم على الصحيفة عام 2004 من شركة هولينجر الإعلامية التي يمتلكها كونراد بلاك بعد حرب مزايدة مريرة بمنزلة تتويج لرائدي الأعمال اللذين نشآ في عائلة من الطبقة العاملة جنوب غرب لندن. أعطتهما الصحيفة مجدا في المجتمع ونفوذا في أعلى مناصب حزب المحافظين الذي حكم خلال معظم فترة ولايتهما.
تحت ملكيتهما، ظلت "ذا تلجراف" مخلصة لدورها كونها صحيفة للمؤسسة البريطانية، حيث وظفت شخصيات بارزة في حزب المحافظين كاتبين في صفحاتها، بمن فيهم بوريس جونسون قبل أن يتعين رئيسا للوزراء. طالما وصف المنتقدون الصحيفة بأنها "ذا توري جراف" بسبب صلاتها الوثيقة بحزب التوري "المحافظين" الحاكم.
إن الطرد الذي يبدو مفاجئا يوم الثلاثاء لأيدان وهوارد باركلي، نجلي الراحل سير ديفيد، من مجالس إدارة الشركات التي تدير مجموعة تلجراف الإعلامية يتناقض مع عملية طويلة الأمد من جانب مجموعة لويدز لاسترداد ديونها.
نفد صبر المقرض أخيرا على القروض، التي استحدثت باستحواذه على شركة إتش بي أو إس المصرفية في 2008، التي تركت لتزيد على مر الأعوام دون دفع الفوائد المترتبة.
خفضت "لويدز" الديون، التي تقترب من مليار جنيه استرليني، فترة طويلة، وفقا لمصادر مطلعة. قال أحد الأشخاص المشاركين في العملية: "كان هذا في طور الإعداد منذ أشهر عديدة. لن يفعل البنك أي شيء فجأة".
قال مطلعون على البنك "إن إدارة لويدز السابقة كانت أقرب إلى عائلة باركلي، لكن قدوم تشارلي نان رئيسا تنفيذيا للمقرض في 2021 جلب أيضا دفعة جديدة لحل المشكلة العالقة بشأن الديون المعدومة القديمة".
فشلت المحادثات مع عائلة باركلي على مدى الأعوام القليلة الماضية في التوصل إلى حل لمسألة الديون، وفقا لمصادر مطلعة على البنك، وهو ما دفع "لويدز" إلى استدعاء حراس قضائيين من شركة أليكس بارتنرز هذا الأسبوع لتولي مسؤولية الشركة الأم، الواقعة في برمودا، لمجموعة تلجراف الإعلامية، في خطوة أولى لاستعادة بعض الأموال غير المسددة على الأقل.
لكن عائلة باركليز لم تتخل عن الكفاح لاستعادة الصحيفة. قال شخص مطلع على أفكار العائلة "إن أحد الخيارات هو جمع الأموال من مستثمرين آخرين، من ضمنهم مستثمرون من الشرق الأوسط، لمساعدتهم على شرائها من الحراسة القضائية". وأضاف الشخص أن "العائلة تعتزم تقديم مزيد من العروض تحت إشراف أيدان باركلي، الذي لا يزال يعتقد أنه قادر على إعادة الأمور إلى مجرياتها".
قالت الأسرة في بيان "إنها تواصل الحديث مع البنك". فيما قال بنك إتش بي أو إس الأربعاء "إنه على استعداد لمواصلة المناقشات لإيجاد حل مناسب".
لكن وفقا لشخص آخر مطلع على موقف عائلة باركلي، فقد تحرك البنك في وقت يشوبه ارتباك خاص، بعد سلسلة من قضايا أمام المحاكم في أعقاب وفاة السير ديفيد في 2021.
تعطي هذه الدعاوى القضائية أيضا نظرة على الهياكل الخارجية المعقدة التي تم وضعها لاستمرار أعمال العائلة، فضلا عن الضغوط الأخيرة على الموارد المالية للعائلة.
القاضي في خلاف قانوني حاد على مبلغ 100 مليون جنيه استرليني بين فريدريك باركلي وزوجته السابقة لخص شؤون الأسرة العام الماضي، ففي 2014، شرع الشقيقان في تقسيم ما لديهما من أجل توفير مخصصات للجيل القادم، وبهدف تجنب الالتزامات الضريبية إما في حياتهما أو عند وفاتهما. وقد اتخذ هذا شكل شبكة من الترتيبات الائتمانية الخارجية والمعقدة للغاية.
سمعت المحكمة أن الشقيقين "كانا يتشاركان هاجس الخصوصية، لكن حتى هاجس تجنب الضرائب".
وجد القاضي أن هذا يعني أن حصة السير فريدريك من التملك الحر لجزيرة بريكو، جزيرة صغيرة من جزر القناة الإنجليزية غرب ساحل جزيرة سارك، التي "بنوا فيها قلعة ضخمة على الطراز القديم بتكلفة مختلفة قدمت للمحكمة تراوح بين 80 مليونا و90 مليون جنيه استرليني و120 مليون جنيه استرليني"، أصبحت الآن أحد أصوله الرئيسة القابلة للتحديد.
تم تقسيم ثروة الأسرة التي جمعها التوأم بالتساوي بين ثلاثة من أبناء السير ديفيد وأماندا ابنة السير فريدريك بعد إعادة الهيكلة في 2014. وكما قال القاضي، فإن إعادة ترتيب الأصول تسببت لاحقا في انهيار العلاقات بين الشقيقين.
إن هذه الترتيبات -التي غالبا ما تشمل شركات خارجية مقرها في جزيرة جيرسي أو أرخبيل برمودا التي يرثها الجيل الأصغر وآخرون- تجعل تقييم الوضع المالي للعائلة صعبا. لكن القضية تظهر أن إمبراطورية العائلة التجارية تعرضت لضغوط في الأعوام الأخيرة.
شهد أيدان باركلي أمام المحكمة العليا في أيار (مايو) في جزء من قضية الطلاق أنه بحلول شهر آب (أغسطس) من 2019، كانت ظروف الشركة العائلية -التي تشمل مجموعة فيري للبيع بالتجزئة على الإنترنت وشركة يوديل للوجستيات- "غير سهلة".
وأضاف: "لقد واجهنا ضغوطا شديدة في الشركة في العامين الماضيين".
إلا أن العائلة جمعت بعض الأموال في الأعوام الأخيرة، بعد بيعها فندق الريتز في لندن عام 2020.
إن الشبكة المعقدة للشركات تحجب مستوى الاقتراض الدقيق لمجموعة تلجراف الإعلامية. قال أشخاص مطلعون على العملية: "إنه من الصعب رؤية أي عملية بيع تصل إلى قيمة الدين"، لكن كل مال يكسب سيتم تسجيله في دفاتر البنك البريطاني. يقول محللون: "إن بيع كل من صحيفة تلجراف ومجلة سبيكتيتور قد يدر ما بين 400 مليون و700 مليون جنيه استرليني".
لن يتم تعجيل بيع "ذا تلجراف" في الوقت الراهن، وفقا لأشخاص مشاركين. تقدم شركة لازارد المشورة للبنك بشأن خياراته مع وجود توقعات بأن بنوكا أخرى سيتم تعيينها للمساعدة في الإشراف على البيع.
وأضاف أحدهم: "هذه ليست عملية بيع جبرية"، مشيرا إلى أن البنك كان ملتزما بإيجاد "المشتري المناسب" نظرا إلى التأثير السياسي وإمكانية أن تتبنى سلطات مكافحة الاحتكار وجهة نظر غير مؤيدة لأي عملية اندماج إعلامي.
وأضاف: "ربما لا يكون أعلى مزايد هو المشتري الأفضل". من المتوقع أن تجذب عملية البيع المزايدين الأثرياء الذين يمكن أن ينظر إليهم على أنهم يبحثون عن وسيلة للتأثير في السياسة البريطانية، كما يقول المحللون. وصف أحد الأشخاص المشاركين في العملية احتمال "استعدادهم لتقديم عقار مميز كعلاوة".
قال أحد المزايدين المحتملين في المملكة المتحدة "إن من المرجح أن يواجه المستثمرون من الشرق الأوسط تدقيقا سياسيا وتنظيميا"، مضيفا: "إنه امتياز تجاري جيد لكنه امتياز واحد في مواجهة منافسة أشد من أي وقت مضى. إن سعر 600 مليون جنيه استرليني الذي نتحدث عنه هو سعر خيالي".
قال دوجلاس مكابي، المحلل في شركة إندرز، "إن الإشراف على الصحف ليس كإدارة مصنع للأدوات (...) بالنسبة إلى بعض المالكين، يعد التأثير والأهمية عاملين مهمين إلى جانب النجاح التجاري".
قال مسؤول تنفيذي إعلامي آخر يراقب العملية بهدف تقديم عرض: "من النادر بيع الصحف كما أن المقاييس المالية العادية لا تنطبق عليها بالضرورة".
ستبقى عملية البيع مدعومة بحقيقة أن "ذا تلجراف" تجارة مربحة. في العام المنتهي في 2 كانون الثاني (يناير)، أعلنت مجموعة تيلجراف الإعلامية عن مبيعات بلغت 245 مليون جنيه استرليني، ارتفاعا من 235.2 مليون جنيه استرليني في العام السابق، وأرباحا قبل خصم الضرائب بلغت 29.6 مليون جنيه استرليني، ارتفاعا من 22.1 مليون جنيه استرليني.
وأضاف مكابي أنه منذ 2018، "أظهرت الصحيفة جودة في النشر الرقمي، مع كم أخبار أقل لكن بتأثير مثير للإعجاب. حيث تم تنفيذ كل من نموذج الاشتراك الرقمي وتطوير المنتجات جيدا".
ينقسم المزايدون المحتملون عموما إلى فئتين.
هناك مشترون من الصناعة نفسها مثل شركة دي إم جي تي مالكة صحيفة "ذا ميل"، التي قد ترى فيها فرصة للجمع بين مجموعتين تميلان إلى اليمين بطريقة مشابهة لصحيفتي "ذا تايمز" و"ذا صن" تحت قيادة روبرت مردوخ. مجموعة ميدياهاوس البلجيكية، التي تملك صحفا أوروبية أخرى ذات ميول يمينية، هي الأخرى مزايد محتمل. مع ذلك، من غير المرجح أن تقدم مجموعة أكسل سبرينجر الألمانية الإعلامية عرضا في الوقت الحالي، وفقا لأشخاص مطلعين على خططها.
يقول محللون "إن ويل لويس، المدير التنفيذي السابق لصحيفة تلجراف، سيحاول على الأرجح جمع مجموعة من المستثمرين لتقديم عرض"، ويتوقعون من ديفيد مونتجمري الرئيس التنفيذي السابق لصحيفة "ميرور"، الذي غلبته "باركليز" في تملك الشركة عام 2004، أن يعيد النظر فيها بصفته رئيس مجموعة ناشيونال وورلد الإعلامية المنافسة.
يقول مراقبون ومطلعون على صناعة الإعلام "إن من المحتمل أيضا أن يبدي كبار رجال الأعمال الأثرياء اهتماما، من بول مارشال رئيس صندوق التحوط إلى دانيال كريتينسكي قطب الطاقة التشيكي وقطب الإعلام الصاعد، وصناديق الثروة السيادية في الخارج.
إذا سمح بتنفيذها على نحو منفصل، فقد يكون بيع مجلة "سبيكتيتور" أكثر بساطة، فهي أرخص ومن غير عقبات المنافسة نفسها.
قد يكون مردوخ مهتما بالاستحواذ على المجلة لهذين السببين، وفقا للمحللين، لكن الأهم من ذلك هو التأثير الذي لا يزال يحمله الاسم بين جمهورها اليميني المتفاني. لكنه سيواجه منافسة من كبار رجال أعمال آخرين، وفقا لمطلع قال: "مجلة سبيكتيتور هي حلم يراود كل ملياردير".
في أوساط موظفي "تلجراف"، وبعد عدة أعوام من الشائعات بأن المجموعة الإعلامية معروضة للبيع، تم الترحيب باحتمال وجود مالك جديد لها بطريقة باردة على الأقل.
قال أحد موظفي "تلجراف": "طالما لن نصبح تذكرة عملاء الاستخبارات السوفياتية لدخول مجلس اللوردات، فلا أحد يبالي حقا بمن يشتريها. بل قد يكون ذلك تحسنا طفيفا".