أزمة «سي إن إن» .. نهاية عصر القنوات الإخبارية

أزمة «سي إن إن» .. نهاية عصر القنوات الإخبارية

في مطلع شبكة سي إن إن الإخبارية، في 1980، قام المؤسس تيد تيرنر بتكليف فريقه بتصوير أداء فرقة لترنيمة عسكرية. كان من المقرر أن تكون الترنيمة، التي تم عزفها أيضا عندما ابتلع المحيط الأطلسي سفينة التيتانيك، آخر شيء تبثه "سي إن إن" في حال نهاية العالم.
بدا بعض المطلعين على استعداد لإخراج شريط النهاية هذا الأسبوع، حيث انتهى ترشح كريس ليخت كرئيس تنفيذي للشبكة بشكل مفاجئ. فمنذ نشر نبذة لاذعة في صحيفة "ذا أتلانتيك"، تم تصوير "سي إن إن" على أنها شبكة تستهلكها أزمة معنويات، دون أدلة حول مستقبلها.
تمت مناقشة محنة شبكة سي إن إن بكثافة تذكرنا بتشريح إقالة شبكة فوكس نيوز أخيرا لتاكر كارلسون مقدم البرامج الشهير. هل اتجهت بعيدا جدا إلى اليسار خلال رئاسة دونالد ترمب؟ هل وقفت على نحو محفوف بالمخاطر في منتصف الطريق منذ ذلك الحين؟
إن هذه الأسئلة تغفل نقطة تجارية أكبر. إذ يقترب عصر أخبار الكوابل الذي أطلقه تيرنر من نهايته. ورغم أن العواقب الثقافية والسياسية لهذه الحقيقة تستهلك اهتمام الرأي العام، إلا أن هذه أيضا قصة عن زوال أحد نماذج الأعمال الإعلامية العظيمة.
لم تكن السمة الأكثر إثارة للقلق في عهد ليخت الذي استمر 13 شهرا هي قراره إجراء مقابلة مع ترمب أمام جمهور من المؤيدين الساخرين. بل انخفض متوسط جمهور "سي إن إن" في وقت الذروة إلى 535 ألفا فقط في الربع الأول، من 1.7 مليون في 2020. تتخلف "سي إن إن" عن منافسيها القدامى قناة فوكس وإم إس إن بي سي وأحيانا نيوز ماكس، وهي منافسة حزبية مخادعة لديها جزء بسيط من ميزانية "سي إن إن".
إن تقلص الجماهير أمر لا تتفرد به شبكة سي إن إن، ولا الولايات المتحدة. فقد أصبح جمهور التلفزيون المدفوع أقل وأكبر سنا. وقد كان هذا صحيحا لفترة من الوقت، لكن من الناحية التجارية، لم يكن الأمر مهما: فعبر سحر رسوم إعادة البث، حيث يدفع الموزعون لأصحاب المحتوى لبث قنواتهم، صمدت الإيرادات والأرباح.
تضاعفت الإيرادات السنوية لشبكة سي إن إن إلى ملياري دولار في العقد الممتد حتى الانتخابات الأمريكية في 2020، وحققت أرباحا قيمتها مليار دولار تقريبا كل عام من رئاسة ترمب، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".
تحول هذا المد، حيث انخفضت الإيرادات إلى أقل من 1.8 مليار دولار. ومع استمرار الأرباح السنوية عند 750 مليون دولار في العام الماضي، فالشركة لا تسقط من الهاوية، لكن، كما أمكن أن يخبرك وايل إي كويوت من شركة وورنر براذرز، فإن الجاذبية تؤثر في النهاية.
كان من المفترض أن تكون القنوات الإخبارية والرياضية هي الميزات التي أقنعت المشاهدين بالحفاظ على اشتراكاتهم في الكابل، ما يمنح أصحابها القدرة على التفاوض مع الموزعين. لكن مزيدا من الاشتراكات يتم إلغاؤها وفشل مالكو وسائل الإعلام في محاكاة هذا الأنموذج عبر الإنترنت أو على منصات البث المباشر.
فقد كان الأنموذج القديم مربحا للغاية لدرجة أنه لم يكن لدى مشغلي الأخبار عبر الكابل حافز يذكر لتأسيس أنفسهم كعلامات تجارية كبيرة في عالم الأخبار الرقمية، الأمر الذي سمح للآخرين من الصحف القديمة إلى مضيفي البودكاست المتهورين بالتقدم عليها. وقد يكون الأوان قد فات بالنسبة إليهم للحاق بالركب الآن.
عندما تم إطلاق القنوات الأولى التي تبث على مدار 24 ساعة، ملأت فجوة واضحة في سوق الأخبار. وأيا كان ما سيفعله خلفاء ليخت، فمن غير المرجح أن يكرروا هذه الحيلة.
من الناحية الصحافية، إنها ليست نهاية العالم. لكن النهاية تلوح في الأفق لنموذج أعمال لوسائل الإعلام الإخبارية لن يحل محله أي شيء مربح مثله.

الأكثر قراءة