التخدير معجزة الطب الحديث
تخيل حالك عندما تقرر إجراء عمليه مثل استئصال الزائدة وتعرف أن تلك العملية ستعمل لك وأنت في كامل وعيك، أي إنك ستشعر بكل وخزة إبرة وجرة مشرط، هل ستذهب أم تترك الألم يعبث بجسدك؟
إذ ليس أمامك سوى أحد هذه الخيارات التي أحلاها مر، فقديما، كان يطرق على رأس المريض بمطرقة حتى يفقد الوعي، أو يثبت ويمنع من الحركة بمساعدة أشخاص ذوي بنية جسدية قوية حتى ينتهي الطبيب من عمله، أو ربط العضو المراد استئصاله بإحكام لمنع وصول الدم إليه فيموت ويسهل استئصاله، أو وضع الثلج على العضو ليفقد المريض الإحساس بهذا الجزء، وبعدها تجرى العملية. لذا بذلت عديد من الحضارات القديمة جهودا جبارة لاختراع أنواع من التخدير، فقد استخدم السوماريون الأفيون منذ أكثر من ستة آلاف عام، وكان الكهنة في المعابد المصرية القديمة يستخدمون الوخز بالإبر لتخدير بعض الأجزاء من جسم المريض، كما يقومون بمزج مسحوق تراب الأحجار الرخامية بالخل للتخدير، الذي اكتشف فيما بعد أنه يحوي حامض الكربون الذي له تأثير مخدر وفاعل.
وينسب اكتشاف الوسائل الحديثة للتخدير لطبيب الأسنان البريطاني ويليام مورتون، فبعد تأثر عمله بسبب عزوف المرضى عن عيادته بسبب الآلام الرهيبة لعلاجات وعمليات الأسنان المختلفة، بدأ التفكير في طريقة لتخفيف تلك الآلام. ووجد أن المرضى عندما يستنشقون مادة الأثير، يفقدون الوعي لمدة كافية لإجراء عديد من العلاجات في مجال الأسنان. وبدأ استنشاق الأثير بنفسه كما جربه على الحيوانات وكانت النتائج رائعة. وأعلن مورتون اكتشافه الجديد في السادس من تشرين الأول (أكتوبر) 1846، وبعد ذلك قام كبير الجراجين في مستشفى ماساتشوستس العام بإزالة ورم من داخل فك المريض دون أن يشعر بأي ألم. بعدها قام جون سنو باستخدام مادة الكلوروفورم لعديد من المرضى وأشهرهم الملكة فكتوريا أثناء ولادة الأمير ليبولد، ما أحدث انقلابا في تاريخ التخدير.
ظهرت بعد ذلك عديد من أدوية التخدير العامة والموضعية التي يختار الطبيب منها ما يشاء طبقا لحالة المريض والعملية الجراحية، ثم ظهر التخدير النخاعي أو الشوكي أو كما يعرف بالنصفي إضافة إلى كثير من الأدوية التي تحمي حياة المريض أثناء العملية. وبفضلها بعد الله بمجرد دخولك إلى غرفة العمليات التي كانت أشبه بغرف التعذيب أو الإعدام، لا تشعر سوى بوخزة إبرة من طبيبك وما هي إلا لحظات وتغيب عن الوعي وتفيق ناسيا تماما ما حدث لك ما عدا شكة الإبرة!