التحقيقات العامة .. تكاليف باهظة وتوصيات على الرف
يمكن أن يعذر القراء لصعوبة تذكرهم فضيحة قطار إدنبرة، لكن لحسن الحظ تم إرسال التقرير النهائي للتحقيق العام إلى المطابع قبل بضعة أسابيع. مع الأسف، منذ بدء التحقيق في هذا المسلسل من التأخيرات والتكاليف المتزايدة لأول مرة في 2014، استغرق الوقت نفسه تقريبا الذي استغرقه المشروع، الذي بسبب تجاوزاته فتح التحقيق.
كانت هذه مسألة تم احتواؤها نسبيا مقارنة بالاستقصاءات حول استجابة المملكة المتحدة للجائحة، الذي من المرجح أن يكون التحقيق العام الأكثر شمولا في تاريخ بريطانيا.
في السويد، تم الانتهاء بالفعل من تحقيق وطني. أما في بريطانيا، فلا يزال التحقيق حول جائحة كوفيد - 19 يكافح لتأمين المعلومات التي يحتاج إليها من حكومة تكابد لإبعاد رسائل الهواتف الذكية الحساسة عن التحقيق. من المتوقع في الجدول الزمني أن يتم الانتهاء من جلسات الاستماع بحلول 2026، وهو تاريخ ربما يكون تفاؤليا للغاية. يعد الإطار المرجعي واسعا، ومن المتوقع أن تتجاوز التكلفة 100 مليون جنيه استرليني. ولتخفيف حالات التأخير، يقسم التحقيق عمله إلى وحدات وتقارير مرحلية واعدة.
كل هذا يثير التساؤل حول ما إذا كانت العملية تخدم العامة جيدا. لبريطانيا سجل حافل بالتحقيقات العامة البطيئة والمكلفة للغاية. ودائما ما تكون الشخصيات الرئيسة قد انتقلت من مناصبها قبل انتهاء التحقيقات. جاء تقرير "شيلكوت" حول إخفاقات الاستخبارات في العراق بعد أن فقد حزب العمال السلطة بستة أعوام. وبعد ستة أعوام من حريق برج جرينفيل، ما لم ينشر التقرير النهائي بعد.
مع ذلك ازدادت مثل هذه التحقيقات. بين 1990 و2017، فتح 69 تحقيقا، وفقا لمعهد الأبحاث الحكومية، مقارنة بـ19 تحقيقا فقط في الـ30 عاما الماضية. كما تم الإعلان عن 11 تحقيقا آخر منذ ذلك الحين.
السبب في ذلك سياسي إلى حد كبير. في فترة تراجع الثقة، يشعر الناس بالقلق من التحقيقات الخاصة في إخفاقات المؤسسة، وهو الموقف الذي لن يعززه سوى الخلاف الحالي حول نشر المواد المتعلقة بالوزراء والمسؤولين. تتمتع جلسات الاستماع العامة القانونية بصلاحيات طلب الأدلة.
يقول جيسون بير كيه سي، وهو مسؤول عن التحقيقات، "إن وظيفتهم هي الإجابة عن ثلاثة أسئلة. ماذا حدث ولماذا؟ وعلى من يقع اللوم؟ وكيف يمكننا منع حدوث ذلك مرة أخرى؟ لكن أصبحت الأسئلة وسائل للانتقام والتنفيس على نحو متزايد، وهذا يطيل أمد العملية. ضمت الوحدة 2 من التحقيق في جائحة كوفيد 39 منظمة تحت قائمة "مشارك أساسي"، بدءا من مجموعات الضحايا إلى الجمعيات الخيرية وإدارات وايتهول والنقابات العمالية، وكلها لها من يمثلها قانونيا. يتعاطف المرء مع رغبة الثكالى في إعطاء "صوت" للضحايا، لكن هذا ليس هو الغرض الأساسي منها.
في الوقت نفسه، يتشكل التصور من خلال السرد الإعلامي والسياسي لتوجيه أصابع الاتهام، على الرغم من أن العامة أكثر نضجا بشكل عام، بإدراكهم أن القرارات التي تتخذ في الأزمات نادرا ما تكون مثالية. ومع ذلك، هناك قضايا رئيسة أثناء الاستجابة للجائحة تستحق الدراسة، من الجدل حول عمليات الإغلاق إلى الإخفاقات والأخطاء السياسية والإدارية التي فشلت في حماية دور الرعاية.
بالنظر إلى التأخيرات والتكلفة، من السهل التساؤل عما إذا كانت نماذج التحقيق الأخرى الأكثر مرونة بقيادة جهات خاصة قد تخدم البلد بشكل أفضل. ينبغي استخلاص الدروس الأساسية من الجائحة قبل منتصف العقد، من المفترض ألا يحتاج استنتاج أنه لا ينبغي تكليف بوريس جونسون بالمسؤولية في الأزمة المقبلة إلى تحقيق يستغرق أعواما عدة ويكلف ملايين الجنيهات الاسترلينية.
لكن الأهم من ذلك أن النموذج يحافظ على ثقة العامة. يمكن إرجاع الإصلاحات المنقذة للحياة إلى هذه التحقيقات. تم تعزيز السلامة خارج البلاد بشكل كبير من خلال التحقيق في كارثة منصة بايبر ألفا النفطية. كما نشأ نظام فحص السجلات الجنائية لأولئك الذين يعملون مع الأطفال من التحقيق في جرائم القتل في مدينة سوهام.
لكن هناك مشكلات نظامية أخرى مهمة تتجاوز الوقت والتكلفة. إن التحقيقات، خاصة تلك التي يرأسها القضاة، تعد فاعلة في معرفة ماذا حدث ولماذا. مع ذلك، غالبا ما يكون رؤساء التحقيق أقل خبرة فيما يتعلق بتوصيات السياسة العامة لتجنب تكرار الأزمات. وهناك أيضا غريزة لا مفر منها لإدخال مزيد من التنظيم. وجد تقرير معهد الأبحاث الحكومية في 2017 أن 45 تحقيقا قدم 2625 توصية. إن هذا التزايد يخفف أثر هذه المقترحات وقوتها.
الأهم من ذلك، لا توجد عملية أو حتى مطلب من أجل المتابعة بمجرد انتهاء التحقيق. وعادة ما يثير التقرير بيانا برلمانيا واحدا. يستجيب الوزراء بالشكر لكنهم ليسوا ملزمين بقبول التوصيات. ولا توجد آلية رسمية للتدقيق التفصيلي في التنفيذ. تتابع بعض اللجان البرلمانية المختارة، لكن معظمها لا يفعل ذلك.
بعد التحقيق في جريمة سوهام، عقد مايكل بيشارد، الرئيس، مزيدا من جلسات الاستماع في محاولة لفرض تسريع عملية تنفيذ التوصيات. فيما تحدثت إيما نوريس، نائبة مدير معهد الأبحاث الحكومية، عن "الغرب المتوحش بعد الإبلاغ عن التحقيق". يتم إسقاط التوصيات بهدوء، لأسباب تتعلق بالتكلفة أو التطبيق العملي أو النفعية السياسية. وجدت دراسة أجراها مكتب التدقيق الوطني أنه تمت الموافقة على 45 في المائة من التوصيات. وتم قبول 33 في المائة أخرى من حيث المبدأ فقط. أما البقية فتم رفضها أو وضعها على الرف.
هذا هو الخطر الآخر من التحقيق في جائحة كوفيد. لا يعني ذلك أن الأمر لن يستغرق وقتا طويلا أو يكلف مالا كثيرا، بل سيكون كذلك. لكن النتائج التي تم التوصل إليها تضيع في العملية، لأن مرور الوقت يقوض الشعور بالإلحاح والمصلحة العامة. يجب على البرلمان ضمان تنفيذ التوصيات أو تقديم أسباب لعدم تنفيذها.
وفي بيئة أكثر عقلانية وهدوءا وثقة، ستبحث الحكومات عن طرق أفضل لدراسة المآسي العامة. في ظل المناخ الحالي، أفضل ما يمكن أن نأمله هو عملية صارمة تجعل التقرير يستحق الانتظار.