المؤشرات الإيجابية تجاه تقليص الاعتماد على النفط

تقرير بعثة صندوق النقد الدولي خلال زيارته المملكة كان إيجابيا وتحدث عن الإصلاحات التي يشهدها الاقتصاد الوطني تجاه رؤية المملكة 2030 التي ركزت على جوانب اقتصادية كثيرة تعزز تنويع مصادر الدخل حيث لا يتم الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للدخل، بل يكون هناك مصادر دخل من خلال مجموعة من الأنشطة الاقتصادية بما في ذلك الصناعة والخدمات اللوجستية والخدمات عموما التي تنوعت بشكل كبير في الفترة الماضية وما زالت الفرصة كبيرة لزيادة إسهامات هذه الأنشطة في الاقتصاد الوطني والناتج المحلي رغم التحديات التي يشهدها العالم فيما يتعلق بالحالة الاقتصادية غير المستقرة، إضافة إلى المنافسة الكبيرة بين دول العالم في مختلف الأنشطة الاقتصادية.
تقرير البعثة أشار إلى أن نمو القطاع غير النفطي سيستمر زخمه خلال عام 2023 بمتوسط 5 في المائة وهذه النسبة لا تختلف كثيرا عن الفترة التي حصل فيها نمو كبير للناتج المحلي عام 2022 الذي بلغ فيه النمو للقطاع غير النفطي 5.4 في المائة، فالبقاء قريبا من هذه المستويات يعد نتيجة إيجابية في ظل تباطؤ النمو في القطاع النفطي الذي سيكون أقل بكثير مما تم تحقيقه عام 2022 حيث بلغ النمو في ذلك العام أكثر من 15 في المائة علما أن النمو للناتج الاجمالي كان 8.7 في المائة، ما يعني أن التوقعات لنمو الناتج المحلي النفطي سيكون بالتأكيد أقل من 3.1 في المائة وذلك لأن التوقعات لنمو الناتج المحلي الإجمالي ستكون أعلى بقليل من 3 في المائة وهذا مؤشر جيد على الاستدامة في نمو الناتج المحلي من القطاع غير النفطي، ولعل التقرير الخاص بالبعثة أشار إلى نقطة مهمة تتعلق بسياسة الإنفاق التي فصلت بين حالة الأسواق خصوصا الطاقة والنفط وبين الخطط الحكومية وعزز الاستقرار في الأنشطة الاقتصادية وإسهاماتها بصورة كبيرة في نمو الناتج المحلي وزيادة الثقة لدى المستثمر أيا كان من المواطنين أو المستثمر الأجنبي بأن البرامج الحكومية مستمرة في تحقيق الأهداف التي تسعى لها بإذن الله.
من الملاحظ أن البعض لديه قلق مما تضمنه التقرير فيما يتعلق ببعض النصائح والتوصيات التي يمكن الاستفادة منها وليست ملزمة لحكومة المملكة لكون المملكة لا تقترض في الأصل من صندوق النقد الدولي ولديها تصنيف ائتماني جيد ولذلك فلن تكون التوصيات مصدر ضغط بقدر ما هي مفيدة لتحديد الخيارات لدى المملكة لتحقيق الاستدامة كما أن التقرير في مجمله إيجابي ويوضح كفاءة ومتانة الاقتصاد الوطني.
في المقابل لا بد أن نعلم أن خيارات حكومة المملكة متعددة في معالجة ما يحتاج إلى معالجة، فعلى سبيل المثال تجد أن البعض لديه قلق من مسألة تكلفة الأجور في الوظائف الحكومية علما أن استراتيجية المملكة تستهدف زيادة حجم الوظائف الجيدة، ما يعني أن الخطة باتجاه زيادة الأجور لا تخفيضها، إلا أن المسألة مرتبطة بكفاءة الإنفاق حيث لا تكون نسبة الأجور أعلى من نسبة الإنفاق ولذلك نجد حراكا كبيرا تجاه التخصيص، ما يعزز كفاءة الإنفاق والحد من الهدر الذي يؤثر في فرص تحسن الأجور لدى القوى العاملة الوطنية، وكثير من المؤسسات التي تم التخصيص فيها تحسنت فيها أجور الموظفين وفي المقابل خفف ذلك العبء على الميزانية الحكومية، بل إن البعض منها أصبح مصدر دخل معززا استراتيجية تنويع مصادر الدخل في المملكة.
لا شك أن الزيادة المستمرة بنسب مستقرة للناتج المحلي من القطاع غير النفطي تعد نجاحا كبيرا باتجاه تنويع مصادر الدخل وزيادة حصة الدخل من المصادر غير النفطية مقارنة بحصة النفط من العوائد، وما زالت الفرصة كبيرة لتحقيق نتائج أفضل خصوصا أن البرامج الحكومية لم تكتمل بعد، وقد حققت بعض البرامج سرعة في تحقيق المستهدفات ما يوحي بأن الفرص كبيرة لتحقيق نتائج مذهلة وأن المجتمع في المملكة قادر على أن يتكيف مع المتغيرات بشكل إيجابي وفاعل.
الخلاصة: إن استدامة نسبة النمو في القطاع غير النفطي في ظل تقلبات الأسعار في أسواق الطاقة وغيرها من السلع الأساسية مؤشر إيجابي جدا، وهو مؤشر على أمرين مهمين وهما قدرة الأجهزة الحكومية والمؤسسات في القطاعين العام والخاص على تنفيذ البرامج والمستهدفات التي تم العمل عليها، والقدرة على الفصل بين تقلبات الأسواق والسير قدما لتحقيق الأهداف التي رسمتها رؤية المملكة 2030.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي