انهيار البنوك قصة وانهيار «كريدي» فيلم رعب

انهيار البنوك قصة وانهيار «كريدي» فيلم رعب

في الإفلاسات المصرفية الأخيرة، ارتكب بنك سيلفرجيت خطيئة، واشترك بنك سجنتشر مع شركته الأم تيا ماريا في خطيئة أخرى، واقترف بنك سيليكون فالي كلتا الخطيئتين. بعد اقترافها جميعها خطايا مصرفية جلية، نالت جميعها العقاب الذي تستحقه.
ينظر المصرفيون والمنظمون الدوليون، الذين يراقبون الفشل الذريع الأخير في النظام المصرفي الأمريكي، بازدراء. أخبرني أحدهم أخيرا "إدارة سيئة ورقابة سيئة وتنظيم ضعيف. أقر الاحتياطي الفيدرالي بذلك". ليسوا قلقين بلا داع من حدوث الشيء نفسه في بقاعهم. لكن هناك انهيارا واحدا ينظر إليه المجتمع المصرفي نظرة مختلفة، انهيار أثار قلق الجميع، لأنه يلقي بظلال من الشك على أساسيات التنظيم المالي. إفلاس بنك كريدي سويس قصة رعب حقا.
ما حدث لـ"سيليكون فالي" -العلم الأبرز في هذه الجولة من إفلاسات البنوك الأمريكية- مفهوم جيدا. إنها حكاية قديمة قدم النظام المصرفي. جمع "سيليكون فالي" مليارات الدولارات في ودائع قصيرة الأجل غير مؤمنة من شركات ناشئة. واستثمرها في أوراق مالية طويلة الأجل ذات تصنيف عال. ارتفعت أسعار الفائدة. وانخفضت قيمة الأوراق المالية طويلة الأجل. أدرك المودعون ذلك وطلبوا استرداد أموالهم. اقتراض قصير الأجل، إقراض طويل الأجل، ثم سأراك في الجحيم. الأمر الغريب الوحيد هو كيف سمح المحنكون بحدوث ذلك. بنوك سيلفرجيت وسجنتشر وفيرست ريبيبلك هي وجوه مختلفة للموضوع نفسه، لكن بإضافة العملات المشفرة.
بنك كريدي سويس -الذي تم بيعه قسرا لمنافسه المحلي الشرس بنك يو بي إس، بعد أسبوع من رحيل "سيليكون فالي" إلى جحيم المصرفية- كان مختلفا. صحيح، تورط المقرض السويسري مع جميع أنواع الشخصيات المشكوك فيها، من ليكس جرينسيل، ممول الفواتير الافتراضية، إلى بيل هوانج من صندوق أركيجوس، الذي كان يتخذ مركزا طويلا خاسرا مثل أي متداول في التاريخ الحديث. صحيح، احتاج إلى إجراء تغييرات مؤلمة على نموذج أعماله، مع تعرض الربحية لضغوط لعدة أعوام مقبلة. لكن "كريدي سويس" لم يراهن بجنون على أسعار الفائدة. لم يكن هناك أي رابط مع "سيليكون فالي". كان يتمته بميزانية عمومية قوية وامتياز تجاري أساسي قيم. من منظور أفلام الرعب، قد لا يكون "كريدي سويس" بطل العمل، بل الصديق العزيز الأخرق الذي اتبع القواعد ولم يفعل شيئا للفت انتباه القاتل.
لكن مع أن الأحداث في الولايات المتحدة لم تقدم معلومات جديدة حول حالة "كريدي سويس"، إلا أن المودعين في بنك زيوريخ سحبوا أموالهم على أي حال، وهو ما جعل كل مصرفي ومنظم مفكر في العالم قلقا يترقب. تضمنت التسوية المصرفية بعد عام 2009 مستويات عالية من رأس المال للحماية من الخسائر، وقواعد سيولة، للتعامل مع الطلبات المفاجئة على النقد. فعل بنك سيليكون فالي أمورا غبية، وكان المودعون فيه في خطر. لكن إذا كان "كريدي سويس" سيعاني تدافعا كبيرا على سحب الأموال مع تمتعه بسيولة ورأسمال جيد، يمكن أن يحدث الشيء نفسه لأي بنك آخر، في أي مكان وأي زمان.
كانت عمليات التدافع الكبرى على سحب الأموال من البنوك في آذار (مارس) ونيسان (أبريل) سريعة على نحو غير عادي. خسر "سيليكون فالي" 25 في المائة من ودائعه في يوم واحد وكان من المتوقع أن يخسر 62 في المائة أخرى في اليوم التالي، لو لم يغلق أبوابه. خسر بنكا سيلفرجيت وفيرست ريببليك نصف ودائعهما في غضون أسبوعين. استعرضت عدة عوامل لشرح ذلك -التكنولوجيا الجديدة التي تجعل عملية سحب الأموال سهلة إلكترونيا، وجود مودعين كبار من الشركات غير المؤمنة، وانتشار الشائعات والمعلومات المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي- لكن لا شيء منها مقنع تماما.
وفقا لجوناثان روز، المؤرخ في "الاحتياطي الفيدرالي" في شيكاغو، كانت عمليات السحب الإلكترونية السريعة مشكلة منذ ما يرجع إلى التدافع الكبير على سحب الأموال من بنك كونتيننتال إلينوي عام 1984. يقتبس روز تفسير المنظم إيرفين سبراج، الذي كتب أن القاعات المصرفية كانت هادئة، لكن خلف الكواليس "كان الموظفون يعرفون ما كان يحدث عندما أتت أوامر السحب واحدة تلو الأخرى على الهاتف، ما أدى إلى نزف بنك كونتيننتال حتى الموت". ربما ساعد العملاء فاحشو الثراء الذين ينقلون أموالهم على هواتفهم المحمولة في قضاء "كريدي سويس" حتفه، لكن لا يمكن أن تكون هذه هي القصة كاملة.
إن البنوك التي لديها كميات كبيرة من الودائع غير المؤمن عليها ليست قضية جديدة أيضا، كما يشير روز. كانت 6 في المائة فقط من ودائع "سيليكون فالي" مؤمنة، وهي نسبة منخفضة للغاية، لكنها مماثلة لنسبة 15 في المائة في بنك كونتيننتال إلينوي. كانت معظم ودائع الخدمات المصرفية الخاصة في "كريدي سويس" خارج نطاق التأمين، لكنها كانت كذلك دائما. كان تركز الودائع من صناعة التكنولوجيا في بنوك سيليكون فالي وسيلفرجيت وسجنتشر أمرا غير معتاد إلى حد ما، لكن هذا لم ينطبق على "كريدي سويس" أبدا.
تعد وسائل التواصل الاجتماعي إحدى القوى الجديدة في الأزمة المصرفية. بدأت شركة فيسبوك في 2004 وتويتر في 2006، لكنهما لم يكونا حينها منصات عالمية ومنتشرة خلال الأزمة المالية 2008 - 2009. من الواضح أن اتصالات وسائل التواصل الاجتماعي أججت عملية تدافع على سحب الأموال في "سيليكون فالي"، لكن أحد الموضوعات المهمة التي يجب أن تفهمها الجهات التنظيمية هو كيف تلقى عملاء الخدمات المصرفية الخاصة في "كريدي سويس" حول العالم رسالة تنصح بالفرار. ماذا لو، في المستقبل، بدأت عملية تدافع على سحب الأموال مشابهة على أساس أكاذيب كاملة عن بنك يتسم بالملاءة؟
في النهاية، التساؤل الذي يطرحه "كريدي سويس" هو ما إذا كان بإمكان أي قدر من رأس المال والسيولة أن يجعل البنوك التي تقدم على المخاطر في مأمن، ما يعزز الحجة لمصلحة الخدمات المصرفية الآمنة أو توسيع نطاق الوصول إلى أموال البنك المركزي. إن زخم الابتكار يصب بالفعل في هذا الاتجاه وسيكون حقا بمنزلة قصة رعب للبنوك التجارية. مثلما تسأل بطلة في فيلم رعب بحزن "لم لا يمكنني أن أمثل في فيلم كوميدي رومانسي من بطولة ميج رايان؟".

الأكثر قراءة