علينا تسليط ضوء أكبر على إعادة شراء الأسهم .. بكراهية أقل
تسيطر عمليات إعادة شراء الأسهم، التي كانت ذات يوم إحدى الغرائب الأمريكية، على العالم. سجلت عمليات إعادة شراء الشركات أسهمها رقما قياسيا عالميا العام الماضي بلغ 1.3 تريليون دولار، أي ثلاثة أضعاف المستوى قبل عشرة أعوام، وفقا لبحث أجرته شركة جانوس هندرسون. وبينما تظل الشركات الأمريكية أكبر المشترين، اكتسبت المعاملات شعبية بسرعة في أوروبا القارية والمملكة المتحدة منذ بداية الجائحة.
لكن المطلوب هو أكثر من التأييد الجامح للمستثمرين الناشطين أو المعارضة التلقائية من النقاد التقدميين. بدلا من ذلك، ينبغي لنا أن نرحب بالجهود الجديدة لإعطاء عمليات إعادة الشراء التدقيق المدروس الذي تحتاج إليه منذ فترة طويلة.
في الماضي، الشركات التي لديها أموال متبقية كانت تعيدها إلى مساهميها كتوزيعات أرباح. لكن في الأعوام الأخيرة، اختار مزيد منها، خاصة في قطاعات النمو كالتكنولوجيا، بدلا من ذلك إعادة شراء الأسهم، وأحيانا الاستدانة حتى لفعل ذلك.
إن بعض المستثمرين، خاصة الذين لديهم آفاق قصيرة الأجل أو الذين يشعرون بالقلق بشأن بناء إمبراطوريات التبذير، يحبون هذا الأسلوب. فهم يفضلون رؤية التعزيز الفوري لسعر السهم الذي توفره عملية إعادة الشراء عبر تقليل إجمالي عدد الأسهم. وغالبا ما تكون الضرائب على الأرباح الرأسمالية أقل من الضرائب على أرباح الأسهم ويتحكم المتلقي في التوقيت، لأن الضريبة يجب أن تدفع فقط عند بيع الأسهم.
كما يحب المديرون التنفيذيون في الصناعات الدورية أن ينظر إلى عمليات إعادة شراء الأسهم على أنها فوائد عرضية وليست متوقعة. وهذا يعني أنه يمكن إيقافها بسهولة أكبر من توزيعات الأرباح في الأوقات العصيبة، حيث ينظر إلى التخفيض على أنه اعتراف كبير بالضعف. في العام الماضي، شكلت عمليات إعادة شراء الأسهم ما يقارب نصف الأموال النقدية التي أعادتها الشركات العالمية إلى المساهمين، ارتفاعا من الثلث في 2012، وفقا لأرقام شركة جانوس هندرسون.
لكن هناك أسبابا قوية للتشكيك في ذلك. فكر مليا في صندوق إنفسكو المتداول في البورصة الذي يستثمر في الشركات التي أعادت شراء 5 في المائة أو أكثر من أسهمها في العام السابق. لو كانت عمليات إعادة الشراء قد عززت الأداء حقا، فسيكون فائزا. بدلا من ذلك، كان أداؤه أقل من مؤشر إس آند بي 500 هذا العام وعلى مدى الأعوام العشرة الماضية، على الرغم من أنه حقق أداء أفضل خلال الجزء الأول من الجائحة.
يؤكد النقاد أن الشركات مدمنة على الارتفاع الفوري لسعر السهم لدرجة أنها ترهن مستقبلها عبر دفع رواتب منخفضة للموظفين أو تقليص الإنفاق على الأبحاث لدفع تكاليف إعادة الشراء. ينبغي لنا أن نفكر فيمن يستفيد حقا عندما تدفع الشركات لموظفيها على شكل أسهم صادرة حديثا ثم تعيد شراء الأسهم لمواجهة التخفيض في نسب الملكية الذي أحدثته للتو. ولهذا السبب أدرج الرئيس الأمريكي جو بايدن ضريبة جديدة قدرها 1 في المائة على عمليات إعادة الشراء في قانون خفض التضخم العام الماضي. والآن، يريد أن يضاعفها أربع مرات.
إنني لا أتشارك في هذه الكراهية. من الأفضل للشركات أن تعيد الأموال بدلا من الانخراط في عمليات الاستحواذ التي تهيمن على العناوين الرئيسة وتدمر القيمة في النهاية، أو تتخلص من الأموال على المشاريع المدفوعة بالرغبات الشخصية كرهان فيسبوك الضخم على ميتافيرس. وينبغي أن يبتهج نشطاء المناخ بالنمو الأخير لعمليات إعادة شراء الأسهم من شركات النفط والغاز. ليس لهذا القطاع تاريخ من الدفع الزائد للاستثمارات فحسب، بل يمكن لمساهميه إعادة استثمار الأموال مباشرة في الطاقة الخضراء.
لكن عمليات إعادة الشراء ليست بديلا عن الاستثمار المدروس في النمو، والأجور المناسبة للموظفين. ويمكن استغلالها. عندما نظر الموظفون في هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية في عمليات إعادة شراء الأسهم في 2018، وجدوا أن البيع المبني على معلومات داخلية ارتفع مباشرة بعد الإعلانات، ما سمح للمديرين التنفيذيين بالاستفادة شخصيا من ارتفاع سعر السهم. قد لا يكون هذا البيع غير قانوني، كما أشار روبرت جاكسون المفوض آنذاك، لكنه ينم عن مصلحة ذاتية.
اتخذت الشهر الماضي هيئة الأوراق المالية والبورصات أخيرا إجراء حيال هذه المشكلة عبر إيجاد قاعدة جديدة تتطلب من الشركات الكشف في نهاية كل ربع عام عن عمليات إعادة الشراء اليومية للأسهم التي أجرتها، ولماذا فعلت ذلك وما إذا كان المسؤولون التنفيذيون قد اشتروا الأسهم أو باعوها قريبا من وقت إعادة الشراء.
وقاضتهم غرفة التجارة الأمريكية على الفور، واصفة القاعدة بأنها إهانة لحرية التعبير ومحاولة للتحكم في صغائر قرارات الشركات وكبائرها. كما تؤكد المجموعة أن معظم عمليات البيع المتزايدة المبنية على معلومات من الداخل القريبة من وقت عمليات إعادة الشراء مدفوعة بعدد قليل من الشركات الناشزة، لذلك، من غير العدل فرض أعباء الإفصاح على الجميع.
قد يكون العكس على الأرجح صحيحا. ينبغي أصلا الإبلاغ عن كل من المبيعات بناء على معلومات من الداخل وعمليات إعادة الشراء الإجمالية، لذلك ينبغي أن تكون الشركات قادرة على تجميع البيانات الربعية. وستوضح الإفصاحات الجديدة على الفور أي المديرين التنفيذيين -إن وجدوا- يستغلون عمليات إعادة الشراء لمصالحهم الشخصية.
سيقلل تسليط ضوء أكبر على برامج إعادة الشراء من الجدل المحتدم الذي تولده هذه العمليات، عن طريق مساعدة المستثمرين على التمييز بين ما هو جيد وما هو سيئ.