البريد الإلكتروني .. قصف رقمي متواصل

البريد الإلكتروني .. قصف رقمي متواصل

فيما يتعلق بضجر المكتب، كنت أظن لم يتبق شيء يذكر لأقوله عن "صرصور الإنترنت" المرهق الذي لا يقهر، وهو البريد الإلكتروني للعمل.
اكتشفت الأسبوع الماضي أنه بقي لدي ما أقوله، عندما أخبرتني صديقة في العمل عن مدى سعادة طفلها ذي العشرة أعوام بامتلاكه أول حساب بريدي له.
قالت، "إنه يتحمس على نحو لا يصدق كلما يصل بريد جديد إلى صندوقه الوارد". أتى معظمها من صديقتي أو من معلمه، لكنه عدها عند ورودها وقال إن لديه 175 رسالة كاملة.
ريثما كنت أستوعب الفكرة المؤلمة عن مدى سرعة تحول فرحته إلى رهبة في مواجهة الكم الهائل من الرسائل في صندوق الوارد المتراكم، قالت صديقتي، "خمني عدد رسائل البريد التي لدي. غير المقروءة."
أجبتها، "100 ألف؟"، متأكدة من أن لديها أقل من الـ120 ألف رسالة لدي. قالت، "لا، 300 ألف ". عندما أخبرت زميلا في العمل عن هذا، قال إنه لا شيء يذكر لأن لديه أكثر من 500 ألف. على افتراض أن للصحافيين احتمالية خاصة لتلقي سيل عارم، سألت مستثمرة رأيتها اليوم التالي عن عدد البريد غير المقروء لديها. قالت، "أكثر من 400 ألف".
مثل بقيتنا، يئست من محاولة مكافحة القصف الرقمي المتواصل. لكونها عضوا كبيرا في شركتها، تم نسخ بريد المستثمرة في تفاهة داخلية لا نهاية لها، في حين تتدفق الرسائل التافهة غير المرغوب فيها من جميع أنواع المسوقين والمروجين ومندوبي المبيعات.
عندما ذكرت هذا لزميل آخر الأسبوع الماضي، قال إنه كان يفكر في فعل شيء كنت أفكر فيه، تثبيت رسالة "خارج المكتب" دائما للتنبيه على أنه بسبب طوفان الرسائل، ربما لا أرد عما قريب.
وهذا مجرد بريد إلكتروني، الذي كان الموظفون الأمريكيون يتحققون منه أكثر من ثلاث ساعات يوميا في 2019. أضف إليه التنبيهات المستمرة من منصات سلاك أو تيمز أو جي-تشات أو واتساب، وهي معجزة أن ينجز أحدنا شيئا ذا أهمية.
بعض الرسائل ضرورية بالطبع، وكذلك بعض الاجتماعات والمكالمات عبر الإنترنت التي زادت منذ بدء الجائحة. لكننا وصلنا إلى النقطة التي تطغى فيها فوائد التواصل على خسارة مثبطة في الإنتاج.
هذا ما أكده تقرير "مايكروسوفت" الشهر الماضي الذي وجد أن العمال في جميع أنحاء العالم يكافحون لمواكبة "زحام البيانات والمعلومات والاتصالات الدائمة".
أظهر البحث أن الناس يقضون 57 في المائة من يوم عملهم على البريد الإلكتروني والاجتماعات وغيرها من الاتصالات، وفقط 43 في المائة على الإبداع الإنتاجي.
وفقا لشركة مايكروسوفت، مستثمرة كبيرة في الذكاء الاصطناعي التوليدي، حل هذه المعضلة، الذي لا يصدق، هو الذكاء الاصطناعي. تدعي شركة التكنولوجيا العملاقة أن الذكاء الاصطناعي سيحرر الموظفين المجهدين من الكدح الذي يستنفد الوقت ويطلق العنان لإبداعهم.
ربما. لكن الأمر يتطلب أكثر من هذا بكثير.
بداية، على الموظفين التوقف عن التفكير في أن النصائح القاسية عن "حيل الإنتاجية" ستساعد. يمكنك تصفية البريد الإلكتروني وحظر الاشتراك وإيقاف الإشعارات كما تريد، لكنها لن تحل مشكلة كمية الرسائل الهائلة أبدا لأنك لست من تسبب فيها.
بل تنشأ المشكلة من المنظمات التي تتبنى طبقة بعد طبقة من تكنولوجيا الاتصال دون التفكير في كيفية تأثيرها في أهدافها الأوسع - أو الإنتاجية والطاقة الذهنية لموظفيها.
وجدت عددا قليلا جدا من الشركات مثل "جيت لاب"، شركة برمجيات فيها توجيهات مفصلة عن وقت استخدام البريد الإلكتروني أو "سلاك" أو أي شيء آخر لمختلف المهام.
لقد فعلت ذلك بدافع الحاجة، اضطرت منذ فترة طويلة إلى حشد قوة عاملة كبيرة تعمل عن بعد. لكن جهودها لتجنب ما تسميه "الانشقاق الفوضوي للاتصالات" الذي يعصف بالمنظمات الأكبر تطبق على نطاق واسع.
من المشجع أن نرى شركة مثل فولكس فاجن الألمانية تحاول اتخاذ تدابير مثل إغلاق البريد الإلكتروني خارج ساعات العمل العادية، حتى لو كان من الصعب تنفيذها عمليا.
تعجبني أيضا الخطوة التي اتخذتها مجموعة سيارات دايملر الألمانية بالسماح لموظفيها بتفعيل إعدادات تحذف رسائل البريد الإلكتروني الواردة تلقائيا أثناء عطلتهم. كما أن انتشار سياسات الحق في قطع الاتصال التي تحد من تواصل العمل خارج ساعات العمل مرحب بها أيضا.
لكن طريقة عملنا في ساعات العمل هي التي تحتاج إلى الاهتمام. إلى أن يتم إصلاحها، محكوم علينا بتحمل الحياة المكتبية التي ستكون دائما خيالا طاحنا ومحبطا لما يمكن أن تكون.

الأكثر قراءة