كارل إيكان .. ممول الاستحواذ العدائي يواجه مرارة الواقع

قبل عقود، كون كارل إيكان رؤية تأسيسية من قراءة كتب ثيودور دريزر الروائي الأمريكي. روايتان لدريزر جذبتا المستثمر الملياردير، هما "الممول" و"العملاق"، اللتان تؤرخان صعود فرانك كاوبروود الصناعي.
في مواجهة مالية حاسمة، خطط خصوم كاوبروود لطلب مصرفي إلزامي بسداد ديونه الشخصية الكبيرة. لكن دون علمهم، كان كاوبروود يمتلك احتياطيا كبيرا من الأصول التي "يمكن سحبها ورهنها". وفي حال تم استخدامها، كما يقول دريزر، "كان ينبغي أن يرى هؤلاء مدى قوته ومدى حرصه". انتصر كاوبروود، ويقول إيكان إنه تعلم درسا أساسيا: دائما امتلك "أموالا احتياطية".
اشتهر الرجل البالغ من العمر 87 عاما بسبب العقود التي قضاها في تنظيم معارك المساهمين مع شركات مثل تكساكو، وترانس وورلد إيرلاينز، وأبل، وماكدونالدز. أعادت هذه المعارك تشكيل الأسواق المالية الأمريكية عن طريق تغيير طريقة إدارة الشركات، وتوجيه إدارتها نحو مصالح كبار المساهمين مثل إيكان.
لنصف قرن تقريبا، كان مجرد ذكر اسمه يثير الرعب في قلوب قادة الشركات ويحرك الأسواق. لكن جزءا كبيرا من قوة إيكان ينبعث من أداة عامة غامضة، تتداول نادرا، تسمى إيكان إنتربرایسز، التي لم يتم اختبارها إلى حد كبير.
حوصر إيكان الشهر الماضي من أحد المتشككين واسمه ناثان أندرسون، الذي كشف، في تقرير نشرته شركته هيندنبورج ريسيرتش، عن ديون ثقيلة تحملها المستثمر مقابل أسهمه في شركة إيكان إنتربرایسز. أظهر هذا الكشف نقطة ضعف مفاجئة عند واحد من أغنى الممولين في العالم. تعهد إيكان "بالرد"، لكن خططه لتأمين إمبراطوريته تظل غامضة في الغالب.
في الأعوام الأخيرة، أجرى إيكان رهانات أكبر من أي وقت مضى ضد سوق سريعة الارتفاع لحماية استثماراته من انهيار مستقبلي. وبدلا من بناء احتياطي للطوارئ، أدت التداولات إلى خسائر تقدر بنحو تسعة مليارات دولار. عند مواجهة تلك الخسائر الأسبوع ما قبل الماضي، اعترف إيكان بتحفظ "ربما أخطأت في عدم الالتزام بنصيحتي في الأعوام الأخيرة".
لقد صدمت هذه المعضلة كثيرا من كبار الشخصيات في وول ستريت. قال رئيس شركة مالية كبيرة "إنها إحدى اللحظات التي تعيشها خلال أزمة وتقول: يا إلهي، كل شيء كنت أعتقده عن هذا الشخص كان خطأ".
كان التقييم الأقسى هو من بيل أكمان، المستثمر الملياردير الذي تصارع معه إيكان في معركة أسطورية حول مصير شركة تسويق متعددة المستويات. كتب أكمان على منصة تويتر "حكمة إيكان المفضلة في وول ستريت هي: إذا كنت تريد صديقا، فاشتر كلبا". "طوال حياته المهنية الحافلة، صنع إيكان أعداء كثرا. لا أعلم إن كان لديه أصدقاء حقيقيون. لكنه بحاجة إلى صديق في هذا الظرف".
ولد إيكان لوالدين يعملان مدرسين في 1936، ونشأ في حي للطبقة العاملة في نيويورك في فار روكواي في كوينز. بعد تخرجه في مدرسة ثانوية عامة محلية، حصل على شهادة في الفلسفة من جامعة برينستون ودعم نفسه باستخدام مكاسبه من لعبة البوكر.
التحق لفترة وجيزة بكلية الطب، لكنه انسحب والتحق بالجيش قبل أن يستقر في وظيفة سمسار بورصة. وفي أواخر الستينيات من القرن الماضي، مول قريب له ثري شراء إيكان مقعدا في بورصة نيويورك، حيث أصبح متخصصا في "مراجحة المخاطر"، رهانات على عمليات اندماج شركات متوقعة.
أصبح إيكان شخصية عامة في الثمانينيات عندما سيطر على شركة ترانس وورلد إيرلاينز باستخدام تمويل من مايكل ميلكن ملك السندات غير المرغوب فيها. ثم باع أصول شركة ترانس وورلد إيرلاينز دون هوادة مقابل النقد، وحارب النقابات، واكتسب لقب "ممول الاستحواذ العدائي". ساعدت تلك القصة على استلهام شخصية جوردون جيكو في فيلم "وول ستريت".
في الأعوام الأخيرة، نقل إيكان -الذي طلق زوجته الأولى وتزوج مساعدته- شركته من ناطحة سحاب تطل على سنترال بارك في مانهاتن إلى ميامي. كما عمل بشكل أوثق مع ابنيه البالغين، بريت وميشيل.
ساعد بريت في تحديد الرهانات الناجحة على شركتي أبل ونتفليكس وتم تعيينه خليفة لوالده. وألهم عمل ميشيل في جمعية الرفق بالحيوان إيكان لإدارة حملة فاشلة ضد شركة ماكدونالدز بسبب معاملتها للماشية.
يأتي الهجوم على إيكان في الوقت الذي يواصل فيه محاربة الشركات التي يرى أنها تدار بشكل سيئ. في الأسابيع الماضية، تعادل في حرب ضد شركة إلومينا، التي تصنع آلات لتسلسل الجينوم البشري. اتهم إيكان إدارة "إلومينا" بعقد عمليات استحواذ متهورة وطلب من مساهميها منح مرشحيه ثلاثة مقاعد في مجلس الإدارة. كما تمكن من عزل رئيس "إلومينا"، لكنه فشل في الفوز بالمقعدين الآخرين، الأمر الذي كان سيساعده على الإطاحة برئيسها التنفيذي. النتيجة تؤكد نفوذه الدائم. لكنه في منطقة مجهولة.
الأسبوع ما قبل الماضي، تراجعت "إيكان إنتربرایسز" أكثر من 30 في المائة، ما زاد من الهزيمة النكراء التي أدت إلى خفض قيمة الشركة أكثر من النصف. كلفت إيكان مليارات وجعلت تهديد "طلب تغطية الهامش" من المقرضين أكثر إلحاحا.
تعتمد مسألة قدرته على الانتصار على الدرس الذي يقول إنه تعلمه من شخصية كاوبروود للروائي درايزر قبل عقود. أخبر إيكان "فاينانشيال تايمز" بأنه يمتلك مليارات خارج أداته العامة. إذا كان الأمر كذلك، فستساعده "الأموال الاحتياطية".