أسعد موظفيك .. تسعد
غالبا ما يجلب الموظفون السعداء رضا المساهمين، وفقا لدراسة جديدة رائدة تظهر أوضح صلة حتى الآن بين رفاهية الموظفين والأداء المالي في الشركات الأمريكية المدرجة.
التحليل الذي أجراه الأكاديميون، جان إيمانويل دي نيف وجورج وارد من جامعة أكسفورد وميكا كاتس من جامعة هارفارد، يشير إلى أن الشركات ذات الربحية العالية والأداء العالي في سوق الأسهم لديها في العادة موظفون يعبرون عن قدر أكبر من السعادة والرضا الوظيفي، إضافة إلى إجهاد أقل.
النتائج التي نشرت على شكل ورقة عمل هذا الشهر، تعزز حجة تجارية تدعو المستثمرين إلى دعم رفاهية الموظفين، كما تدعو المديرين التنفيذيين إلى مزيد من التركيز على هذا الجانب –العلاقة بين الرفاهية والأداء نوقشت باستفاضة، منذ فترة طويلة، لكن يصعب إثباتها.
قال دي نيف، أستاذ الاقتصاد والعلوم السلوكية في كلية سعيد للأعمال في جامعة أكسفورد: "هذه هي الدراسة الأكثر شمولا حتى الآن التي تربط رفاهية الموظفين بالأداء المالي وأداء سوق الأسهم"، مشددا على أن الدراسة لا تثبت وجود علاقة سببية، لكنها تتعدى حدود الأعمال السابقة في الإشارة إلى تأثير رفاهية الموظفين على التنبؤ بارتفاع الأرباح والأسهم.
قالت ديانا هان، كبيرة مسؤولي الصحة والرفاهية في مجموعة يونيليفر للسلع الاستهلاكية: "الدراسة تعزز مجموعة متزايدة من الأبحاث التي تظهر المزايا التنافسية للقوى العاملة الصحية والسليمة -إذا اعتنينا بموظفينا، فسيعتنون بالأعمال".
لطالما سعى دعاة رفاهية الموظفين إلى حجة تدعم مزاياها التجارية. منذ بداية جائحة كورونا كثرت برامج العناية المصممة للاحتفاظ بالموظفين والحفاظ على تحفيزهم، لكن الأدلة على فاعليتها على الأفراد، وآثارها الأوسع على العمليات التجارية، لا تزال محدودة.
كافحت دراسات سابقة لإثبات قيمة مبادرات محددة، أو العلاقة بين الرفاهية وأداء الشركات بدلالات إحصائية. ركزت الأبحاث غالبا على عينات محدودة من الموظفين تطوعوا للمشاركة، أو على شركات وبرامج عناية كان من الصعب تكرارها واختبارها على نطاق واسع.
يستند عمل دي نيف والمؤلفين المشاركين إلى 15 مليون استطلاع خاص بالرفاهية ـعلى موقع إنديد للتوظيفـ شارك فيها موظفون في 1636 شركة مدرجة في البورصة. نتائج الاستطلاع عن السعادة في العمل، والرضا الوظيفي، والإجهاد يتم جمعها بواسطة الموقع في تصنيف مؤشر الرفاهية. ويتم قياس أداء الشركة باستخدام العائد على الأصول، وكذلك القيمة السوقية كمضاعف لقيمة استبدال الأصول.
أظهر التحليل أن مؤشر الرفاهية لا يرتبط فقط بالمكاسب في أداء الشركة، بل هو تنبؤي أيضا. مثلا، استثمار ألف دولار في شركات تتمتع بدرجات أعلى في رفاهية الموظفين في كانون الثاني (يناير) 2021 كان سيولد بحلول بداية آذار (مارس) 2023 عائدا يبلغ نحو 1300 دولار، مقارنة بنحو 1100 دولار لمؤشر ستاندرد آند بورز 500.
وجد المؤلفون أن درجات السعادة تنبئ، خصوصا بالأداء في قطاع الخدمات. قالوا: "التفسير المحتمل لهذه النتيجة هو ربما رفاهية الموظفين مهمة، خصوصا لنجاح الأعمال في الصناعات التي فيها مواجهة مع المستهلكين".
وفقا للدراسة، العلاقة بين انخفاض إجهاد الموظفين وقوة أداء الشركة كانت أضعف من العلاقة بين الأداء وسعادة الموظفين ورضاهم. هذا ربما لأن الإجهاد قد يكون له آثار إيجابية وسلبية على نتائج الأعمال، كما جادل المؤلفون.
سعت منظمات أخرى إلى تقصي الحجة التجارية المؤيدة للرفاهية. أطلقت وكالة ستاندرد آند بورز جلوبال للتصنيف الائتماني أخيرا "تقييما لاستدامة الشركات" ضمن تقييمها الخاص بالمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة، الذي يأخذ في الحسبان الرضا الوظيفي والسعادة والإجهاد والغاية في العمل.
يعتمد بحث دي نيف على دراسات سابقة عديدة سعت إلى حساب كل من تكاليف اعتلال الصحة، والعلاقة بين الرفاهية وأداء الشركات.
أظهرت بيانات تم جمعها من موظفين وأرباب عمل لمشروع القوى العاملة الأصح في بريطانيا، السنوي المدعوم من شركة فيتاليتي للتأمين الصحي، وجود صلة بين ضعف الصحة البدنية والعقلية ومستويات التغيب عن العمل التي ذكرها المشاركون و"الحضور" غير المنتج. تبرز البيانات أيضا أهمية عوامل أخرى منها قلة مدة النوم وجودته، وانعدام الأمن المالي، وافتقار المرونة أو الاستقلالية في العمل.
أظهرت دراسة منفصلة نشرها دي نيف الشهر الماضي، شملت نحو 1800 موظف يعملون في 11 مركز اتصال في جميع أنحاء المملكة المتحدة، تابعة لشركة الاتصالات البريطانية "بي تي"، أن الموظفين كانوا أكثر فاعلية في تحويل المكالمات إلى مبيعات عندما كانوا في مزاج أفضل. عدت الدراسة الطقس الجيد عاملا يقود إلى الرفاهية.
جادل دي نيف والمؤلفون المشاركون بأن تحسين الرفاهية يمكن أن يؤدي إلى مستوى أفضل في الإنتاجية والعلاقات والإبداع والصحة والتوظيف واستبقاء الموظفين.
قال: "الشعور بالانتماء ربما هو أفضل مؤشر على الرفاهية في مكان العمل. يريد الناس أن يعاملوا على أنهم بشر وأن يكون لهم أصدقاء في العمل. هذا النوع من مقاييس رأس المال الاجتماعي مهم جدا، فيما يجعل الناس سعداء في العمل ثم البقاء -أكثر من شيك الراتب المرفق بالوظيفة".