الوحدة وباء صامت يهدد صحتنا وسعادتنا
يصاحب الوحدة شعور بالعار الشديد. لا أحد يريد أن ينظر إليه على أنه غير مرغوب، أو مكروه.
إحدى عواقب وصمة العار هذه، وفقا لفيفيك مورثي الجراح العام الأمريكي، هي وباء صامت من الوحدة. اعترف مورثي، وهو حاليا في فترته الثانية في منصب كبير الأطباء في الدولة، أخيرا بشعوره بوحدة عميقة بعد إقالته من الوظيفة في المرة الأولى. تشير الأبحاث إلى أن الوحدة تنافس التدخين والإفراط في شرب الكحول، من حيث الإضرار بالصحة وتقصير العمر. هذه ليست قضية سطحية وعاطفية، ربما يدل تزايد المسنين من السكان أيضا على أنها وباء ينتشر.
تشير البروفيسورة أندريا ويجفيلد، مديرة مركز دراسات الوحدة في جامعة شيفيلد هالام في المملكة المتحدة، إلى أن الوحدة تختلف عن العزلة الاجتماعية. فالأخيرة مقياس موضوعي لما إذا كان الشخص يعيش بمفرده، ولديه أصدقاء وعائلة، وينتمي إلى مجموعات اجتماعية. الوحدة، من ناحية أخرى، هي الشعور النابع من الذات بأن العلاقات الاجتماعية للفرد قاصرة بطريقة ما، من حيث الكم أو الحميمية أو كلاهما. الوحدة تتبع عادة منحنى على شكل حرف U مع تقدم العمر: ترتفع بين المراهقين والشباب "المجموعة التي شعرت بالوحدة أكثر أثناء عمليات إغلاق كوفيد"، وتتراجع في منتصف العمر، ثم ترتفع مرة أخرى. يمكن أن تثار الوحدة بسبب أحداث الحياة المهمة مثل الالتحاق بالجامعة أو وفاة عزيز أو التقاعد أو الانتقال إلى منزل أو أن تصبح مقدم رعاية.
يزعم مورثي أن الوحدة تعادل تدخين 15 سيجارة في اليوم. يمكن إرجاع القياس اللافت إلى التحليل البعدي الذي أجري في 2010 لـ148 دراسة منفصلة شملت أكثر من 300 ألف شخص. خلصت الدراسة إلى أن الذين لديهم علاقات اجتماعية أقوى أظهروا زيادة 50 في المائة في احتمال البقاء على قيد الحياة مقارنة بمن لديهم علاقات أضعف، بغض النظر عن العمر والجنس والحالة الصحية وطول فترة المتابعة وسبب الوفاة.
حدد البحث نفسه الوحدة بأنها عامل مسبب للوفاة أقوى من الخمول البدني والسمنة، وهو عامل مشابه للتدخين والإفراط في شرب الكحول. كما يصاحب العلة زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والسكري من النوع 2 والتهاب المفاصل الروماتويدي واضطرابات المناعة الذاتية والسرطان.
تشير الدراسة الإنجليزية الطويلة للشيخوخة "إلسا" إلى الاتجاه غير السار نفسه. وجدت دراسة "إلسا" طويلة الأجل -التي بدأت في 2002 وتسأل آلافا ممن تزيد أعمارهم على الـ50 كل عامين حول صحتهم ووزنهم ودخلهم وأنشطتهم الاجتماعية- أن الوحدة أو العزلة الاجتماعية كانت مرتبطة بحالات تشمل الاكتئاب والخرف والنوبات القلبية وأمراض الرئة طويلة الأجل والوهن.
هل يمكن أن تكون العلاقة سببية؟ إحدى النظريات هي أن تطورنا كنوع اجتماعي قد ورث رغبة متجذرة في الصحبة البشرية، مخلفات من الماضي تشبه تفضيلنا المتطور للأطعمة الحلوة والدهنية. إذا لم تشبع الرغبة، فإنها تسبب إجهادا نفسيا يؤدي إلى تأثيرات فسيولوجية مثل ارتفاع مستويات الكورتيزول، هرمون التوتر. كما أوضحت ويجفيلد، يبدو أن الوحدة تثير استجابة "الكر أو الفر"، التي تسبب الالتهاب وزيادة إنتاج خلايا الدم البيضاء "استجابة للالتهاب". أكد أندرو ستيبتو، الأستاذ في كلية لندن الجامعية الذي يقود بحث "إلسا"، في رسالة بريدية أن "السبيل المهمة الأخرى تتمثل في السلوك، وليس علم الأحياء. غالبا ما يتبع المعزولون اجتماعيا والوحيدون نمط حياة أقل صحة من حيث التدخين والخمول البدني والاختيارات الغذائية". قد يؤخرون طلب المساعدة الطبية عندما يمرضون.
من الجلي أن مواجهة الوحدة أمر بالغ الأهمية لتحسين صحة الأمة، ومبدئيا قبل أن تتحول النكسات المؤقتة إلى عزلة مزمنة. تقول ويجفيلد "يجادل بعض بأنه كلما طال شعورك بالوحدة، زادت صعوبة الخروج منها. يمكن للوحيدين أن يبدأوا في رؤية أنفسهم، وتصور آراء الآخرين عن ذواتهم، بصورة سلبية أكثر، وإساءة فهم إشارات آخرين".
توصي منظمة Campaign to End Loneliness في المملكة المتحدة باتخاذ خطوات أولية مثل إلقاء التحية على أحد الجيران. توافر مجموعات الهوايات أو الاهتمامات المحلية، بدءا من الفن إلى الرياضة، تفاعلات بين فكر متشابه. يمكن للعمل التطوعي تحديدا جذب الرجال الذين قد يخجلون من تلقي الدعم بأنفسهم، لكنهم أكثر انفتاحا على مساعدة الآخرين. تضمنت نصائح ويجفيلد الأخرى، منها الموجهة إلى الشباب الذين يميلون إلى الحكم على أنفسهم بقسوة مقارنة بمنشورات وسائل التواصل الاجتماعي اللامعة، الاجتماع وجها لوجه ووضع الأجهزة بعيدا.
تقدر المنظمة أن عدد من تزيد أعمارهم على 50 عاما ويعانون الوحدة في المملكة المتحدة سيصل إلى مليونين بحلول 2026. لا يمكننا إنهاء الوحدة، لكن بمجرد قول مرحبا، يمكننا جميعا المساعدة على إبعاد العار.