المتشائمون مخطئون في التقليل من شأن الاقتصاد الأوروبي
"ليس ركودا حتى"، كان هذا هو الحكم على كيفية تعامل ألمانيا عندما اضطرت فجأة إلى الاستغناء عن إمدادات الطاقة الروسية العام الماضي، وهي تبعية غرستها جميع الحكومات الألمانية خلال نصف القرن الماضي، لأسباب تجارية وسياسية.
هذه العبارة هي عنوان دراسة جديدة أجراها الاقتصاديون بنيامين مول وموريتز شولاريك وجورج زاكمان، الذين يقارنون نتائج الاقتصاد الألماني بالتنبؤات التي صدرت مباشرة بعد الحرب الروسية - الأوكرانية. أثارت الحرب ما يسمونه "الجدل الألماني الكبير حول الغاز" بين مجموعات مختلفة من الاقتصاديين، حيث تقيم جماعات الضغط التجارية والنقابات ما إذا كان يمكن تحمل التكلفة الاقتصادية المترتبة على إنهاء واردات الغاز الروسي.
وكما يذكرنا مول وزملاؤه، فإن بعض هذه التوقعات سوداوية: خسارة تصل إلى 12 في المائة في الناتج الاقتصادي وفقدان ملايين وظائفهم. أما الذين يجادلون بأن الخسائر ستكون أقل بكثير فقد تعرضوا للانتقاد من المستشار أولاف شولتس شخصيا بسبب التنظير "غير المسؤول".
من الناحية السياسية، فاز المتشائمون بالنقاش. إن السرعة المثيرة للإعجاب التي وجدت بها برلين مصادر بديلة للغاز وأنشأت بها بنية تحتية للطوارئ تجعل من السهل نسيان أن ألمانيا في الواقع لم تختر الاستغناء عن الغاز الروسي. كان ذلك قرارا اتخذه فلاديمير بوتين نيابة عنها من خلال تضييق إمدادات الغاز قبل إيقافها تماما أواخر الصيف الماضي. كما استغرق الاتحاد الأوروبي ككل وقتا طويلا للاتفاق على قيوده التي لا تزال غير مكتملة على واردات الطاقة الروسية.
لكن الحقيقة كانت على جانب المتفائلين. "كان لدي رأي قوي في هذه المسألة: لقد جادلت بعد أسبوع من الحرب بأن أوروبا يمكن ويجب عليها أن توقف فورا وكليا اعتمادها على واردات الغاز الروسي". كانت نتيجة النمو في ألمانيا جيدة مثل أفضل التقديرات تفاؤلا لخسائر حرب الطاقة، كما يوضح مول وزملاؤه. لم تكن هناك "سلسلة" من تخفيضات الإنتاج وحالات الإفلاس وتسريح العمال بدءا من الصناعات الأكثر كثافة في استخدام الطاقة إلى الاقتصاد الأوسع. وعلى الرغم من انخفاضه في آذار (مارس)، لا يزال الإنتاج الصناعي أكبر مما كان عليه قبل عام.
حتى إن مؤلفي الدراسة وجدوا أنه -وفقا لبيانات الأرصاد الجوية الألمانية- لم تكن درجات الحرارة أعلى من اتجاه عدة أعوام: إذا كان الأمر كذلك، فإن فكرة أن الشتاء الدافئ أنقذ ألمانيا تبدو كأنها خرافة. إن الغاز الذي ترك في المخزن بحلول نهاية موسم التدفئة يعني أن ألمانيا لم تكن بحاجة أبدا إلى الغاز الروسي الذي اشترته قبل أن يوقف بوتين الإمدادات. لذا إيقاف الاعتماد كليا كان ممكنا تماما.
مرونة الاقتصاد الألماني شيء يستحق الإشادة به. والأهم من ذلك هو تعلم الدرس الصحيح. لماذا يعارض ميزان الرأي خطأ سياسة صحيحة أخلاقيا وجيوستراتيجيا لكونها باهظة التكلفة؟
الجواب الذي لا يمكن تبريره هو رغبة بعض في الشركات الألمانية في عدم الاضطرار إلى تحمل أي تكلفة اقتصادية على الإطلاق بالوقوف في وجه بوتين. إن الإجابة الأسهل للفهم، وإن كانت مخيبة للآمال، تنطوي على أخطاء فكرية. هناك افتقار عام في تقدير مدى قدرة الاقتصادات السوقية على التكيف في أوروبا القارية، لأن هذا يتجاوز ألمانيا. ويعزز ذلك الخلط بين التحديات التي تواجه الشركات القائمة وبين التهديدات التي يتعرض لها الاقتصاد الكلي، في حين إن التدمير الإبداعي للشركات غير القادرة على التكيف هو في الواقع ما يجعل الاقتصادات السوقية تنمو. إضافة إلى ذلك، لطالما استوعب القادة الأوروبيون انتقادا عفا عليه الزمن للاقتصاد الأوروبي بأنه غير مرن و"متصلب" بشكل خاص.
إن الجدل الكبير حول الغاز في ألمانيا ليس إلا مثالا أكثر فظاعة للكيفية التي يقلل بها الأوروبيون من قدرتهم على التكيف الاقتصادي. وهناك أمثلة أخرى. توقع قليلون أن يؤدي الانتعاش بعد الجائحة إلى رفع معدلات التوظيف إلى مستويات قياسية، في تناقض صارخ مع أسواق العمل المتخلفة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. يعمل صندوق الانتعاش الذي كسر المحرمات التابع للاتحاد الأوروبي على تعزيز النمو في البلدان التي شطبها كثيرون باعتبارها حالات يرثى لها.
وإذا لم نستخلص الدروس الصحيحة من هذه الأمثلة، فسنستمر في فهم متردد للغاية لما تستطيع اقتصادات أوروبا تحقيقه. إن المخاطر السياسية المترتبة على هذا التشخيص الخاطئ موجودة في كل مكان حولنا، وتعززها المرافعة الذاتية من الشركات القائمة.
اضطرت بروكسل إلى إبطاء وتيرة سياساتها لإزالة الكربون. فيما قامت كل من ألمانيا وفرنسا بإجراءات لعرقلة التشريع المهم. وطالب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بـ"فترة استراحة تنظيمية". بينما تريد شركات صناعة السيارات الألمانية تأجيل توقيع اتفاقية التجارة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة حول تغريم السيارات الكهربائية التي تعمل ببطاريات مصنوعة خارج أوروبا.
في كل هذه الأمثلة، يدور الجدل حول صعوبة إجراء تغييرات كثيرة. لكن كما يظهر الجدل الألماني حول الغاز، فإن الاقتصاد أكثر مرونة من مجموع أجزائه. إذا كانت بعض الشركات غير راغبة في التغيير، فإن الأسواق الديناميكية تفسح المجال للراغبين والقادرين على التكيف. وينبغي للسياسة الاقتصادية الأوروبية أن تعزز ضغوط السوق هذه، لا أن تحمي نفسها منها.