«إنفيديا» ونصيب الأسد من سوق الذكاء الاصطناعي

«إنفيديا» ونصيب الأسد من سوق الذكاء الاصطناعي

في 2022، أصدرت شركة إنفيديا الأمريكية لصناعة الرقائق إتش100، أحد أقوى المعالجات التي صنعتها على الإطلاق، وواحدا من أغلى المعالجات، حيث يكلف الواحد نحو 40 ألف دولار. بدا موعد الإطلاق سيئا، إذ شرعت الشركات في خفض الإنفاق وسط التضخم المتفشي.
ثم في تشرين الثاني (نوفمبر)، تم إطلاق "تشات جي بي تي".
قال جنسن هوانج، الرئيس التنفيذي لـ"إنفيديا"، "لقد تبدلت حالنا من عام عصيب العام الماضي إلى نقلة بين عشية وضحاها". قائلا "إن روبوت الدردشة الناجح من (أوبن إيه آي) كان يمثل لحظة تجل. لقد أحدث طلبا فوريا".
أثارت شعبية "تشات جي بي تي" المفاجئة سباق تسلح بين شركات التكنولوجيا الرائدة في العالم والشركات الناشئة التي تسارع للحصول على معالج إتش100، الذي يصفه هوانج بأنه "أول رقاقة حاسوب في العالم مصممة للذكاء الاصطناعي التوليدي"، أنظمة الذكاء الاصطناعي التي يمكنها إنشاء نصوص وصور ومحتوى يشبه ما ينشئه البشر بسرعة.
تبينت قيمة الحصول على المنتج المناسب في الوقت المناسب الأسبوع الماضي. أعلنت "إنفيديا" الأربعاء أن مبيعاتها للأشهر الثلاثة المنتهية في تموز (يوليو) ستبلغ 11 مليار دولار، أي أكثر من 50 في المائة قبل تقديرات لوول ستريت، مدفوعة بانتعاش الإنفاق على مراكز البيانات من شركات التكنولوجيا الكبرى والطلب على رقائقها المصممة للذكاء الاصطناعي.
استجابة المستثمرين للتوقعات أضافت 184 مليار دولار إلى القيمة السوقية لـ"إنفيديا" في يوم واحد الخميس، التي أوصلت شركة الرقائق الأعلى قيمة في العالم أساسا إلى تقييم تريليون دولار تقريبا.
تعد "إنفيديا" أول الرابحين من الصعود الفلكي للذكاء الاصطناعي التوليدي، تكنولوجيا تهدد بإعادة تشكيل الصناعات وتحقيق مكاسب إنتاجية ضخمة وحلولها محل ملايين الوظائف.
هذه النقلة التكنولوجية من المتوقع أن تسرعها معالجات إتش100، التي تستند إلى تصميم رقاقة جديدة من "إنفيديا" يطلق عليها اسم "هوبر" -على اسم جريس هوبر رائد البرمجة الأمريكي- وأصبحت فجأة السلعة الأكثر رواجا في وادي السيليكون.
قال هوانج "بدأ هذا الأمر جله في الوقت الذي باشرنا فيه إنتاج هوبر"، مضيفا أن "التصنيع المكثف بدأ قبل أسابيع قليلة من ظهور تشات جي بي تي لأول مرة".
تنبع ثقة هوانج في استمرار المكاسب جزئيا من قدرة الشركة على العمل مع شركة "تي إس إم سي" المصنعة للرقائق لتوسيع نطاق إنتاج إتش100 لتلبية الطلب الهائل من مزودي الخدمات السحابية مثل "مايكروسوفت" و"أمازون" و"جوجل" ومجموعات الإنترنت مثل "ميتا" والعملاء من الشركات.
"المعالج من بين الموارد الهندسية الأكثر ندرة على هذا الكوكب"، كما قال برانين ماكبي، كبير مسؤولي الاستراتيجية ومؤسس كور ويف، شركة ناشئة للبنية التحتية السحابية تركز على الذكاء الاصطناعي، التي كانت واحدة من أوائل الشركات التي تلقت شحنات إتش100 مطلع هذا العام.
انتظر بعض العملاء حتى ستة أشهر للحصول على الآلاف من رقائق إتش100 التي يريدونها لتدريب نماذجهم للبيانات الضخمة. أعربت شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة عن مخاوفها من نقص معروض إتش100 في اللحظة التي يرتفع فيها الطلب.
قال إيلون ماسك، الذي اشترى آلافا من رقائق "إنفيديا" لشركته الجديدة الناشئة للذكاء الاصطناعي إكس.أيه آي، في حدث لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأسبوع الماضي "إنه في الوقت الحاضر، الحصول على وحدات معالجة الرسومات أصعب بكثير من الحصول على المخدرات"، مازحا بأن المخدرات "ليست صعبة حقا في سان فرانسيسكو".
"لقد أصبحت تكلفة الحوسبة فلكية". "الحد الأدنى اللازم يبلغ 250 مليون دولار من أجهزة الخادم، لبناء أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي"، كما أضاف ماسك.
تحظى "إتش100" بشعبية خاصة لدى شركات التكنولوجيا الكبرى مثل "مايكروسوفت" و"أمازون"، اللتين تبنيان مراكز بيانات كاملة تتمحور حول الذكاء الاصطناعي، وشركات الذكاء الاصطناعي التوليدي الناشئة مثل "أوبن إيه آي" و"أنثروبيك" و"ستابليتي أيه آي" و"إنفلكشن أيه آي" لأنها تعد بأداء أعلى يمكنه تسريع إطلاق المنتجات أو يقلل من تكاليف التدريب بمرور الوقت.
"فيما يتعلق بالحصول عليها، نعم هذا السبب في تكثيف تصنيع وحدة معالجة الرسومات ذات التصميم الجديد"، كما قال إيان باك، رئيس أعمال الحوسبة فائقة النطاق وعالية الأداء في "إنفيديا"، الذي يواجه مهمة شاقة تتمثل في زيادة المعروض من "إتش100" لتلبية الطلب. "التصنيع جار على نطاق هائل"، حيث يبحث بعض العملاء الكبار عن عشرات الآلاف من وحدات معالجة الرسومات.
الشريحة الكبيرة الاستثنائية، وهي "مسرع" مصمم للعمل في مراكز البيانات، تحتوي على 80 مليار ترانزستور، أي خمسة أضعاف المعالجات التي تشغل أحدث أجهزة آي فون. في حين إنها أغلى مرتين من نسختها السابقة، أيه 100 التي تم إصدارها في 2020، يقول المستهلكون الأوائل "إن إتش100 تتمتع بأداء أفضل ثلاث مرات على الأقل".
قال عماد موستاك، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة ستابيليتي أيه آي، إحدى الشركات وراء خدمة توليد الصور ستيبل دفيوجن، "تحل إتش100مسألة قابلية التوسع التي ابتلي بها مبتكرو نماذج الذكاء الاصطناعي. هذا مهم لأنه يتيح لنا جميعا تدريب نماذج أكبر بسرعة أكثر حيث ينتقل هذا من مشكلة بحثية إلى مشكلة هندسية".
في حين إن توقيت إطلاق "إتش100" كان مثاليا، يمكن إرجاع تقدم "إنفيديا" العلمي في الذكاء الاصطناعي إلى نحو عقدين، إلى ابتكار في البرمجيات لا السيليكون.
يسمح برنامجها كودا، الذي تم إنشاؤه في 2006، بتوظيف وحدات معالجة الرسومات كمسرعات لأنواع أخرى من الأعمال غير الرسومات. ثم في 2012، أوضح باك، "الذكاء الاصطناعي وجدنا".
أدرك باحثون في كندا أن وحدات معالجة الرسومات كانت مناسبة ومثالية لإنشاء شبكات عصبية، شكل من أشكال الذكاء الاصطناعي مستوحى من الطريقة التي تتفاعل بها الخلايا العصبية في الدماغ البشري، التي أصبحت بعد ذلك محورا جديدا لتطوير الذكاء الاصطناعي. قال باك "استغرق الأمر نحو 20 عاما لبلوغ ما نحن عليه اليوم".
تضم "إنفيديا" الآن مهندسي برمجيات أكثر من مهندسي أجهزة حتى تتمكن من دعم عدة أنواع مختلفة من أطر الذكاء الاصطناعي التي ظهرت في الأعوام اللاحقة، ومن جعل رقائقها أكثر كفاءة في الحوسبة الإحصائية اللازمة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي.
كانت رقاقة هوبر أول تصميم محسن لـ"المحولات"، نهج الذكاء الاصطناعي الذي يدعم روبوت الدردشة "المولد والمدرب مسبقا" من "أوبن إيه آي". سمح عمل "إنفيديا" الوثيق مع باحثي الذكاء الاصطناعي باكتشاف ظهور المحول في 2017 والبدء في ضبط برنامجها وفقا لذلك.
قال ناثان بينيش، الشريك العام في شركة اير ستريت كابيتال، مستثمرة في شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة "يمكن القول إن إنفيديا رأت المستقبل قبل أي أحد آخر بنقطة تحولها في جعل وحدات معالجة الرسومات مبرمجة. لقد رأت فرصة وراهنت رهانا كبيرا وتفوقت بثبات على منافسيها".
يقدر بينيش أن "إنفيديا" متقدمة عامين على منافسيها، لكنه يضيف "موقفها بعيد كل البعد عن أن يكون منيعا على كلتا جبهتي الأجهزة والبرمجيات".
يوافق موستاك من "ستابيليتي أيه آي" قائلا "رقائق الجيل التالي من جوجل وإنتل وغيرها تلحق بالركب، وحتى كودا لا يعد مزية تنافسية تذكر لأن البرنامج موحد".
أما لبعض في صناعة الذكاء الاصطناعي، فإن حماس وول ستريت يبدو مفرطا في التفاؤل. "في الوقت الحالي، تبدو سوق الذكاء الاصطناعي لأشباه الموصلات سوقا، الرابح فيها يكسب كل شيء بالنسبة إلى إنفيديا"، كما قال جاي جولدبرج، مؤسس شركة استشارات الرقائق دي تو دي.

الأكثر قراءة