أمريكا تواجه سيناريو غير مسبوق .. الوقت ينفد أمام أكبر تحد اقتصادي
تواجه الولايات المتحدة -مع احتمال تخفيض وكالة فيتش تصنيفها الائتماني من مستوى "أيه أيه أيه"- خطر تلقي ضربة رمزية في وقت يلوح فيه خطر تخلفها عن سداد ديونها.
لكن التخفيض المحتمل لن يكون في حال تحققه أمرا غير مسبوق، فقد خفضت وكالة ستاندرد آند بورز تصنيف واشنطن عام 2011 على خلفية أزمة سقف الدين حينها، وربما تكون له تداعيات محدودة على أكبر اقتصاد في العالم في ظل الطلب العالي على سندات الخزانة الأمريكية في الأسواق، بحسب "الفرنسية".
يعد "AAA" أعلى مستوى تمنحه وكالات التصنيف الائتماني لديون الحكومات والشركات.
تستخدم وكالات التصنيف الرئيسة الثلاث -ستاندرد آند بورزو وفيتش وموديز- نظام تصنيف يراوح بين "أيه أيه أيه" و"دي" "للتخلف عن السداد"، مرورا عبر "بي" و"سي".
والتصنيفات مؤشر للمستثمرين على قدرة الكيانات على سداد ديونها. عند إصدارها تصنيفا ائتمانيا، تنظر الوكالة في عوامل تشمل معدل نمو اقتصاد الدولة ومستويات الدين والإنفاق والإيرادات الضريبية والاستقرار السياسي.
كلما انخفض تصنيف الدولة، زاد ميل المستثمرين إلى الحصول على سعر فائدة أعلى لشراء ديونها، من أجل التعويض عن المخاطر المرتفعة.
يحظى عدد قليل من الدول بتصنيف "أيه أيه أيه" من كل الوكالات الثلاث الكبرى: أستراليا، الدنمارك، ألمانيا، هولندا، النرويج، سنغافورة، سويسرا، ولوكسمبورج.
وتحظى عدة دول أخرى بتصنيف "AAA" من وكالة أو اثنتين، مثل الولايات المتحدة وكندا وكذلك الاتحاد الأوروبي.
يرسل تخفيض التصنيف "أيه أيه أيه" إشارة إلى المستثمرين، ويختلف تأثير ذلك بحسب البلد والسياق.
فقدت فرنسا هذا التصنيف إلى جانب عديد من الدول الأخرى في أعقاب الأزمة المالية العالمية لعام 2008. أدى ذلك إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض، لكنه لم ينفر المقرضين.
ارتفعت تكاليف الاقتراض الأمريكية أيضا بعد قرار "ستاندرد آند بورز" عام 2011، لكن الولايات المتحدة لديها ميزة كبيرة.
في هذا الصدد، قالت وكالة فيتش الخميس عندما وضعت تصنيف الولايات المتحدة تحت المراقبة لاحتمال خفضه "الدولار هو العملة الاحتياطية الأبرز في العالم، ونحن نرى أن مخاطر الصرف وضوابط رأس المال في حدها الأدنى".
قد يتعرض دور العملة الأمريكية بصفتها الأكثر استعمالا في الأعمال التجارية العالمية للخطر بسبب التخلف عن السداد، لكن على المدى القصير يمكن أن يرتفع الطلب على الدولار لأنه يعد ملاذا في وقت الاضطرابات العالمية.
الحاجة إلى الاحتفاظ بالدولار لأغراض التجارة تعني أن الطلب على شراء السندات الأمريكية سيظل قائما، رغم أن واشنطن قد تضطر إلى دفع أسعار فائدة أعلى.
تقول وكالة فيتش منذ 2013 "إن التصنيف الائتماني الأمريكي مرشح للتخفيض"، لكنها لم تخفضه حتى الآن.
وتصنف "فيتش" الولايات المتحدة منذ 1994، وتصنفها "موديز" منذ عام 1949، ولم يسبق لهما خفض تصنيفها الائتماني.
ويواصل البيت الأبيض والمفاوضون مساعي التوصل الى تسوية تتيح تجنب تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها الذي قد تنطوي عليه تداعيات سياسية كبرى بعدما ظهرت بوادر مشجعة في اتجاه حل.
بحسب عدة وسائل إعلام أمريكية فإن فريقي الرئيس الديمقراطي جو بايدن وكيفن مكارثي رئيس مجلس النواب الجمهوري اتفقا على بعض الخطوط العريضة.
وذكرت صحيفتا "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" أن الاتفاق، وهو حتمي لكي يقبل المحافظون بالتصويت في الكونجرس لرفع سقف الدين العام للولايات المتحدة، سيجمد بعض النفقات لكن بدون المساس بالميزانيات المخصصة للدفاع وقدامى المحاربين.
سيتيح الاتفاق إرجاء خطر التخلف عن السداد لعامين، حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة.
هذا السيناريو غير المسبوق لإفلاس أكبر قوة في العالم يمكن أن يحصل بدءا من 1 يونيو، أي على بعد أيام، في حال عدم التوصل إلى اتفاق سياسي وحصول تصويت في مجلسي النواب والشيوخ.
ستجد الولايات المتحدة نفسها عندئذ غير قادرة على السداد لدائنيها وهو تعريف التخلف عن السداد لكن أيضا غير قادرة على دفع رواتب بعض الموظفين الرسميين أو الإعانات الاجتماعية.
والتحدي، إلى جانب تجنب كارثة مالية واجتماعية واقتصادية، هو السماح لكل معسكر بالحد من الضرر على المستوى السياسي.
فكيفن مكارثي الذي يحتاج إلى ترسيخ مكانته كرئيس لمجلس النواب يمكن أن يفاخر بأنه أرسى مزيدا من التشدد في الميزانية، فيما سيؤكد الديمقراطيون أنهم قاموا بحماية الإعانات الاجتماعية أو مشاريع الاستثمار الكبرى.
وقال الرئيس الأمريكي الذي يخوض حملة لولاية ثانية، "إن المحادثات تتمحور حول رؤيتين متعارضتين".
طرح نفسه مدافعا عن العدالة الاجتماعية والضريبية بعدما طالب بأن يدفع الأكثر ثراء والشركات الكبرى "حصتهم العادلة" من الضرائب، واصفا الجمهوريين بأنهم حزب الثروات الكبرى وحزب وول ستريت.
لكن بحسب الصحافة فإن الديمقراطي البالغ 80 عاما قد يكون قد تخلى في المفاوضات مع الجمهوريين عن الزيادة التي كان يرغب فيها للأموال المخصصة لمكافحة التهرب الضريبي.
إذا تم التوصل إلى اتفاق فلا يزال يجب أن يقر في مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الديمقراطيون بفارق ضيق، وفي مجلس النواب حيث يشغل الجمهوريون أغلبية هشة. وهذا الأمر لن يكون مهمة سهلة.
من جهة، ولأن الجدول الزمني البرلماني مقيد، عاد عدد من أعضاء الكونجرس إلى منازلهم في مختلف أنحاء الولايات المتحدة لقضاء عدة أيام في مناسبة عطلة نهاية الأسبوع الطويلة المصادفة "يوم الذكرى".
من جانب آخر، لأن بعض التقدميين داخل الحزب الديمقراطي تماما مثل بعض أعضاء الكونجرس الجمهوريين، هددوا من الآن بعدم المصادقة على نص يقدم كثيرا من التنازلات للمعسكر المنافس.
هكذا تعهد مايك لي السناتور الجمهوري الخميس بأنه سيستخدم "كل أداة إجرائية متاحة لمنع اتفاق على سقف الديون لا يتضمن إصلاحات جوهرية للإنفاق"، قائلا "أخشى أننا نسير في هذا الاتجاه".
من جهتهم طلب أعضاء ديمقراطيون في مجلس الشيوخ من الرئيس أن يستند إلى التعديل الـ14 في الدستور الذي يحظر التشكيك في "ملاءة" الولايات المتحدة ويمكنه من أن يتصرف وكأن سقف الدين غير موجود أساسا، ليواصل إصدار الديون حتى لو لم يتم التوصل إلى اتفاق. وهو ما يعارضه البيت الأبيض بشكل قاطع، مثيرا استياء معسكر التقدميين.
بالتالي سيتعين على بايدن ومكارثي اعتماد دبلوماسية الوسط لجمع تأييد أكبر عدد ممكن من البرلمانيين من الطرفين، وهي ممارسة أصبحت صعبة جدا في بلد تعمقت فيه الانقسامات السياسية بشكل كبير في الأعوام الماضية.
وقال كيفن مكارثي رئيس مجلس النواب الأمريكي أمس "إنه جرى إحراز تقدم مساء الخميس في المفاوضات المتعلقة برفع سقف الدين الحكومي الأمريكي البالغ 31.4 تريليون دولار".
بينما ذكر جاريت جريفز المفاوض الجمهوري أن متطلبات العمل في برامج مكافحة الفقر تمثل نقطة شائكة في مفاوضات سقف الديون الأمريكية مع البيت الأبيض.
وأضاف جريفز أن "البيت الأبيض يرفض التفاوض بشأن متطلبات العمل"، وهو ما وصفه بأنه "جنون". وقال "إن الخلافات حول تمويل الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية في مقابل متطلبات العمل لا تزال تمثل مشكلة بين الجانبين".