العمل الهجين .. الفائدة ليست محصورة على النخبة فقط
تعرض العمل للانتقاد عبر وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة. لقد واجهنا تيار "الاستقالة الكبرى" والحركة "المناهضة للعمل" و"الاستقالة الهادئة" وموجة من الإضرابات. يبدو أن كل هذا يسهم في الشعور بأن العمل يزداد سوءا وأن الناس سئموا منه. لقد طلب مني حتى الانضمام إلى مناقشة على بودكاست العام الماضي بعنوان "هل هذه نهاية العمل التي نعرفها؟".
لكن هذا ليس بالضرورة ما تقوله البيانات، على الأقل في المملكة المتحدة. عندما أجرى آلان فيلستيد وريس ديفيز من جامعة كارديف اختبارا قصيرا عبر الإنترنت بين 2018 و2019 ومرة أخرى في 2022، جمعا تقريبا 100 ألف إجابة من أشخاص عبر البلاد أجابوا عن أسئلة تفصيلية حول وظائفهم. وجد الأكاديميان أنه في 2022، أفاد الأشخاص بقدرة أكبر على تحديد وقت بدء العمل ونهايته، ونطاق أكبر لأخذ إجازات في حالات الطوارئ، ومديرين أكثر دعما، وضغط عمل أقل، ورأي يؤخذ في الحسبان في القرارات المتعلقة بالوظيفة، وآفاق ترقية أفضل، وأمان وظيفي أعلى. وعلى الجانب السلبي، كان لديهم قدر أقل من حرية التصرف فيما يتعلق بمهام عملهم.
يجدر التعامل مع بيانات الاختبار عبر الإنترنت ببعض الحذر، كما يقر الباحثان. كان حجم العينة ضخما لكن المستجيبين اختاروا الاختبار بنفسهم ويميلون إلى حد ما إلى أن يكونوا من النساء والأشخاص العاملين في القطاع العام والوظائف المهنية "رغم أن الأكاديميين حاولا تعليل ذلك عبر الترجيح".
لكن مسحا منفصلا لجودة الوظائف في المملكة المتحدة يجرى سنويا بواسطة معهد تشارترد للأفراد والتنمية يميل أيضا ضد فكرة أن العمل أصبح أسوأ في المتوسط: فقد ظلت معظم المقاييس ثابتة إلى حد ما، مع بعض التحسن في التوازن بين العمل والحياة.
إذا كانت جودة العمل قد تحسنت إلى حد ما، فلماذا يحدث ذلك؟ لقد تسببت سوق العمل الضيقة في شعور الناس بعدم الأمان، وربما دفع أصحاب العمل إلى إجراء تغييرات أخرى لتعيين الموظفين والاحتفاظ بهم. ثم هناك التحول الناجم عن الجائحة إلى العمل عن بعد أو العمل الهجين، الذي يسميه فيلستيد "تحول جذري، لحظة تنويرية، تحول حاسم في التاريخ". أخبرني نيكولاس بلوم، أستاذ في الاقتصاد في جامعة ستانفورد في الولايات المتحدة، بأن مستويات العمل من المنزل كانت تتضاعف كل 15 عاما تقريبا حتى ضربت الجائحة. ثم واجهنا ما يعادل "40 عاما من التسارع في غضون ثلاثة أعوام".
وجد كل من فيلستيد وديفيز أن جودة الوظائف تحسنت أكثر في المهن التي أصبح من المرجح أن تشمل العمل من المنزل يوما واحدا على الأقل في الأسبوع. الجدير بالذكر أن هؤلاء الفائزين لم يكونوا مجرد مهنيين يتقاضون رواتب عالية ويتمتعون بأفضل ظروف عمل. وهذا يضع علامة استفهام حول فكرة أن العمل الهجين قد وسع الفجوة بين الوظائف "المحببة" والوظائف "الرديئة".
قال لي فيلستيد "قبل الجائحة، كان الذين يعملون من المنزل من بين أعلى الرتب، لكن هذه الميزة تدرجت إلى الرتب الأدنى". أصبح الناس كالعاملين في مركز الاتصال والموظفين الإداريين ومستشاري الإسكان والمساعدين القانونيين الآن أكثر قدرة على العمل من المنزل ليوم واحد على الأقل في الأسبوع مما كانوا عليه قبل الجائحة. ويبدو أن هذا جعل جودة وظائفهم أفضل: أكثر مرونة، أقل ضغطا.
بالطبع، لا يستطيع كثير من الناس العمل عن بعد على الإطلاق. أعتقد أنه ليس من المستغرب أن هؤلاء العمال كانوا أكثر عرضة لترك وظائفهم أو الإضراب. تشير استطلاعات معهد تشارترد للأفراد والتنمية إلى أن الأشخاص في وظائف الرعاية والوظائف الترفيهية ووظائف المصانع هم من بين الذين عانوا بالفعل انخفاضا في التوازن بين العمل والحياة منذ بداية الجائحة. ومن المؤكد أن الأجور كانت السبب الرئيس للصراع الصناعي في وقت انخفاض الأجور الحقيقية، لكن بلوم يقول إن إمكانية العمل الهجين تعادل ما يقارب 7 إلى 8 في المائة في زيادة الأجور، بناء على استطلاعات لمدى تقدير الناس هذه الميزة. لقد استفاد الناس من هذه الميزة بشكل غير متساو للغاية.
هل العمل الهجين باق؟ يظهر بحث أجراه بلوم وزملاؤه، الذي استخدم نموذج ذكاء اصطناعي تم تدريبه على كم هائل من البيانات النصية لتحليل 250 مليون إعلان وظيفي في خمس دول ناطقة باللغة الإنجليزية، أن نسبة المنشورات التي تقدم صراحةً عملا عن بعد أو هجينا بالكامل قد ارتفعت من أقل من 5 في المائة قبل الجائحة إلى ما يقارب 10 في المائة أو أكثر في جميع البلدان "أكثر من 15 في المائة في المملكة المتحدة" في 2023. لكن يجدر بنا أن نتذكر أن "الوضع الطبيعي الجديد" لم يتم اختباره بعد في سوق العمل حيث ترتفع معدلات البطالة ويتنافس العمال على أرباب العمل، وليس العكس.
آمل ألا يحاول أصحاب العمل إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، حتى لو اكتشفوا أنهم يستطيعون ذلك. يبدو أن العمل الهجين قد أدى إلى تحسين الحياة العملية، ليس للجميع، لكن هذا التحسن لم يكن محصورا على النخبة فقط أيضا. لا يزال كثير من الوظائف رديئا، لكن إذا كان بعضها أقل رداءة، أو أكثر استحبابا، فهذا تقدم لا ينبغي أن نتخلى عنه.