أجراس إنذار المالية الأمريكية تصم الآذان عن مشكلة أعمق
لا ينبغي لأي بلد أن يدير شؤونه المالية بدراما عالية. تقدم كل من اليونان في 2015 والمملكة المتحدة العام الماضي أمثلة تحذيرية عما يحدث عندما تتعارض السياسة مع المالية العامة. لكن الولايات المتحدة لا تشعر أنها بحاجة لتتعلم دروسا من البلدان الأخرى. فهي بدلا من ذلك، تتجه نحو صدام سياسي خاص بها يتعلق بسقف ديونها البالغ 31.4 تريليون دولار، ربما في وقت مبكر من الشهر المقبل. الجميع يطلب منهم الآن أن يختاروا الأبطال والأشرار للمعركة المقبلة، والمخاطر كبيرة.
أما بالنسبة إلى الذين يميلون أكثر نحو التكنوقراطية، والذين يمكنهم تجاهل سياسات سقف الديون المقبلة، فإن الصحة الأساسية للمالية العامة الأمريكية مقلقة بالقدر نفسه.
الميزانية الفيدرالية الأمريكية تنزف أموالا. بحسب تقدير مكتب ميزانية الكونجرس المحايد، في الأشهر السبعة الأولى من العام المالي الحالي 2023، انخفضت الإيرادات الحكومية الأساسية 10 في المائة بينما زاد الإنفاق 12 في المائة. وهذا يترك عجز الميزانية الفيدرالية أكبر بثلاثة أضعاف مما كان عليه في الأشهر ذاتها من عام 2022 المالي.
عكست الإيرادات الضعيفة مكاسب رأسمالية محققة أقل مما توقعه مكتب ميزانية الكونجرس في أواخر 2022، وتحول برنامج التسهيل الكمي للاحتياطي الفيدرالي من بقرة حلوب إلى عبء كبير واحتمال أن الانتعاش الأساسي لم يكن جيدا تماما كما أظهرت الإحصاءات الأولية. ارتفع الإنفاق ارتفاعا حادا في جميع مجالات الميزانية الفيدرالية الكبيرة تقريبا.
إذا استمرت أنماط الأشهر السبعة الأولى، فسيؤدي ذلك إلى مواصلة اتجاه غير محمود في الميزانية الأمريكية. أيضا لا يتوقع مكتب ميزانية الكونجرس ازدياد العجز في الاعوام المقبلة فحسب، بل يميل أيضا إلى المبالغة في تقدير الصحة الأساسية للمالية العامة.
كما أن أي بحث عن طريقة للتخفيف من أرقام المالية الأمريكية الأقل تقلبا والأطول أجلا سيكون مصيره الفشل أيضا. تظهر أحدث توقعات مكتب ميزانية الكونجرس أن مستوى الدين الفيدرالي الذي يتحمله العامة كحصة من الدخل القومي سيبلغ 98 في المائة في 2023، أقل من ذروته إبان الحرب في 1946 بنسبة 7.6 في المائة فقط ويتجه لتخطيه في 2028. وللمقارنة، فإن الدين العام في المملكة المتحدة الذي بلغ أيضا أعلى مستوياته منذ عدة عقود بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، لا يزال أقل من نصف المستوى الذي كان عليه في نهاية الحرب العالمية الثانية.
هذا الارتفاع السريع في الدين العام للولايات المتحدة يعكس الحالة الفظيعة للسياسة الأمريكية. الجمهوريون لا يدركون الحصافة المالية إلا عندما يكونون في المعارضة قبل خفض الضرائب عند تولي السلطة. وبمعرفتهم لذلك، تخلى الديمقراطيون عن الحصافة المالية وبدلا من ذلك روجوا لبرامج إنفاق ضخمة، وغير مقيدة السقف في الأغلب، مثل قانون خفض التضخم.
النتيجة هي أن الولايات المتحدة تعمل على تقويض مكانتها في كل مقارنة دولية طويلة المدى حول قوة المالية العامة. ولإجراء مقارنة مع دول منطقة اليورو التي احتاجت إلى الدعم في العقد الأول من القرن الـ21، كانت مستويات الديون الإجمالية للبرتغال وأيرلندا وإسبانيا بالفعل أقل من الولايات المتحدة، وتظهر توقعات صندوق النقد الدولي أنه من المتوقع لديون الولايات المتحدة أن تتجاوز ديون إيطاليا بحلول 2028 واليونان بحلول نهاية العقد.
بالطبع، في عالم يتسم بانخفاض أسعار الفائدة، يمكن للبلدان أن تعيش براحة مع مستويات ديون أعلى قليلا حيث لا يتعين عليها سداد قروضها. وكنا قد تعلمنا ذلك من عمل أوليفييه بلانشارد في صندوق النقد الدولي ومعهد بيترسون. لكن الديون المرتفعة بشكل يمكن التعامل معه دون مخاطر لا تعني الاقتراض بلا حدود تقريبا. كما يشعر بلانشارد نفسه بالقلق من أن "مسار الديون في الولايات المتحدة ليس مستداما في ظل السياسة الحالية".
قد تؤكد السياسات المنقسمة عدم قدرة الولايات المتحدة على دفع جميع التزاماتها في الأسابيع المقبلة. وقد بدأ هذا العرض المسرحي المتكرر يستحوذ على الأسواق المالية. لكن من المرجح أن يتم حله بعد بعض اللحظات العصيبة ربما.
تكمن المأساة الحقيقية للمالية العامة في الولايات المتحدة في نقاط ضعفها المزمنة. لن يؤدي هذا إلى حدوث أزمة مفاجئة ولا يكشف عن أي مؤشر على وجود حل. إذ إنه في النهاية أكثر ضررا بكثير. وستزداد نقاط الضعف هذه سوءا مع تقدم سكان الولايات المتحدة في العمر، وتقوض الدولار كعملة احتياطية للعالم، وتضعف قدرة أمريكا على إبراز قوتها الاقتصادية على المستوى العالمي.