ميرفن كينج: إصلاحات ما بعد 2008 مجرد ضماد لاصق
قبل 15 عاما أدى انهيار النظام المصرفي الغربي إلى اعتماد آلاف الصفحات من اللوائح المعقدة. لكن ها نحن ذا في خضم أزمة ثقة أخرى في البنوك. كان البنكان، سيليكون فالي وكريدي سويس، يواجهان مشكلات خاصة. في حالة الأخير، أدى ضعف التنظيم والتسويف من جانب السلطات السويسرية إلى تفاقم المشكلة. في الحالة الأولى، أثرت العدوى في البنوك الصغيرة الأخرى.
البنوك هشة بطبيعتها - فهي تحول تمويلا قصير الأجل وآمنا إلى إقراض طويل الأجل ومحفوف بالمخاطر. هذه هي كيمياء النظام المصرفي. السرعة التي يمكن أن تدار بها هذه الالتزامات القصيرة الأجل ويتم سحبها تعني أن البنوك قد تكون موجودة يوما ما وتختفي في اليوم التالي. لكن في معظم الأحيان، توفر الأعمال المصرفية رأس مال أرخص لتمويل الاستثمار الحقيقي.
تشهد تجربة قرون عدة على جاذبية الأعمال المصرفية بحسبانها وسيلة لتمويل الاستثمار، كما تشهد على هشاشتها. هل يمكننا الاحتفاظ بهذه الفوائد مع تقليل التكاليف أو حتى التخلص منها؟ نعم، شريطة أن نضع إطارا ينظم توفير السيولة للبنوك المركزية، التي هي المصدر الوحيد الموثوق للسيولة في الأزمات.
لفترة طويلة جدا كانت البنوك المركزية والهيئات التنظيمية تكتفي بالانتظار حتى تندلع أزمة ثم تطبق تدابير مخصصة، وتستحدث أخرى مع تطور الأزمة. بمجرد أن يبدأ الذعر تكون السيولة ضرورية لإخماد الحريق ومنع انتشار العدوى على نطاق واسع. لكن توفير التأمين المجاني بعد وقوعها هو أيضا حافز للإقدام على مخاطر مفرطة، ما يؤدي إلى نشوب حرائق أكبر من أي وقت مضى.
في 2023 انصب الاهتمام على موجة سحب الودائع، ما أفضى إلى اقتراحات في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تؤيد رفع الحد الأعلى للودائع المؤمن عليها. لكن في الأزمة المالية كانت المشكلة هي إحجام جهات التمويل القصير الأجل عن توفير الأموال. الدرس المستفاد هنا هو أن أيا مما يسمى "الالتزامات سهلة السحب" - مثل الودائع التي يمكن سحبها بسرعة أو أي شيء يمكن استرداده عند الطلب – قد يضطر البنك المركزي إلى توفير السيولة.
دور المقرض والملاذ الأخير التقليدي الذي تلعبه البنوك المركزية أصبح باليا عندما بدأت أصول البنوك التجارية تشتمل على ضمانات "رديئة"، لا يمكن تقديرها في فترة زمنية قصيرة لأزمة لمواجهة أي تدافع لسحب الودائع. ما الذي يمكن أن يحل محله؟
على الحكومات والبنوك المركزية أن تجيب على سؤالين.
أولا، ما المؤسسات التي ينبغي أن تتلقى السيولة من البنوك المركزية؟ من المؤكد أن البنوك التجارية مؤهلة - تشكل التزامات ودائعها الجزء الأكبر من المعروض النقدي بالمفهوم الواسع. وأي شك في سلامتها سيجعل الاقتصاد عرضة لحركات عنيفة في وسائل المدفوعات، ما ينتج عنه انكماش حاد في الناتج وتضخم. لكن ربما يقلق المجتمع أيضا بشأن سلامة شركات التأمين وصناديق التقاعد والوسطاء الماليين الآخرين. ويجب إما منع هذه الهيئات من تحويل الاستحقاقات (اقتراض قصير الأجل وإقراض طويل الأجل) وإما منحها إمكانية الوصول إلى سيولة البنك المركزي وفقا لشروط.
ثانيا، كيف يمكننا الحد من حجم السيولة التي يوفرها البنك المركزي في الأزمات، لتجنب عمليات إنقاذ ممولة من دافعي الضرائب؟ الإجابة، بمنع البنوك من إصدار التزامات سهلة السحب أكثر مما ينوي البنك المركزي إقراضه مقابل الضمانات المتاحة.
المبدأ الأساسي هو أن تملك البنوك دائما حد ائتمان طارئ من البنك المركزي لتغطية الالتزامات سهلة السحب. سيقرر كل بنك مقدار أصوله التي يضعها في البنك المركزي. سيحسب البنك المركزي "الخصم من القيمة السوقية" لكل أصل من الأصول، الذي سيفرضه عند تحديد مقدار النقد الذي يجب إقراضه. بعدها سيتضح مقدار أموال البنك المركزي التي يحق للبنك اقتراضها. يجب أن تتجاوز الأصول السائلة الفعلية للبنك التزاماته سهلة السحب.
في الواقع، سيكون البنك المركزي مقرضا في جميع الفصول (وليس فقط ملاذا أخيرا). ستبقى خصومات الأصول ثابتة فترة طويلة، وستكون خصومات الأصول الخطرة متحفظة. تعيين الخصومات ليس مهمة ملائمة تماما لظروف الطوارئ. ستصبح البنوك حرة في اتخاذ قراراتها بشأن تكوين أصولها وخصومها، وكلها تخضع لقاعدة الإقراض في جميع الفصول. والأهم، لا يمكن لأي موجة سحب ودائع أن تسقط بنكا لأنه سيتوفر دائما نقد متاح لتغطية جميع الالتزامات سهل السحب.
قاعدة الإقراض في جميع الفصول ليست حلما بعيد المنال. فقد شجعت أنا وبول تاكر (نائب سابق لمحافظ بنك إنجلترا) البنوك بعد الأزمة المالية على وضع ضمانات، وكان بنك إنجلترا في طليعة مثل هذه السياسات منذ ذلك الحين. علاوة على ذلك، التوسع في التيسير الكمي أدى تلقائيا إلى زيادة كبيرة في ودائع البنوك التجارية في البنك المركزي. بالتالي إذا تم الإقراض في جميع الفصول اليوم، فلن يتطلب الأمر تغييرا يذكر في تمويل معظم البنوك الكبيرة ومن ثم في توفير الائتمان.
من الممكن أن تحل هذه القاعدة البسيطة محل أغلب التنظيمات الحالية لرأس المال والسيولة التحوطية، فضلا عن التأمين على الودائع. من غير المنطقي للبنوك المركزية، كما فعلت الولايات المتحدة، أن تضمن كل الودائع في بنك مفلس مع تأكيدها أن الحد الأعلى للتأمين على الودائع يظل كما هو لكل البنوك الأخرى.
الإصلاحات التنظيمية التي أعقبت الأزمة المالية لم تكن سوى ضماد لاصق. يتطلب النظام الآن نهجا أبسط وأقل تكلفة لكنه شامل ينظم توفير السيولة للبنوك المركزية.
*محافظ بنك إنجلترا في الفترة من 2003 إلى 2013