كيف نتجنب مرحلة ثالثة من الاضطراب المصرفي؟
الهزات المصرفية الأمريكية آخذة في التطور. المرحلة الأولى من الاضطراب، عندما تسببت التدفقات الهائلة والمفاجئة للودائع الخارجة من البنوك ذات الإدارة السيئة وغير الخاضعة للإشراف الكافي في إخفاقات هائلة، تم وضعها تحت السيطرة الآن.
المرحلة الحالية التي تركز على تكاليف التمويل وقضايا الميزانيات العمومية للبنوك الأقل إشكالية، التي تعمل في منطقة غير مستقرة للغاية، يمكن أيضا وضعها تحت السيطرة. في الواقع، تجب السيطرة عليها إذا أردنا تجنب مرحلة ثالثة تترتب عليها أضرارا مالية واقتصادية أكبر بكثير.
لنبدأ بالأخبار السارة. من غير المحتمل أن نرى نوع الانهيار المؤسسي الدرامي الذي مر به بنك وادي السيليكون، حين تم سحب 42 مليار دولار من الودائع في يوم واحد وكان من المتوقع أن يتبعها سحب 100 مليار دولار أخرى في اليوم التالي لو لم تغلقه الجهات التنظيمية.
هذا الخبر السار يرجع إلى عاملين رئيسين.
أولا، من خلال الممارسة وليس من خلال التغيير القانوني، أشارت السلطات إلى أن الحد الأقصى البالغ 250 ألف دولار على ضمان الدولة للودائع الفردية قد تم استبداله بضمان غير محدود لتلك الودائع. الحيلة بسيطة، يعلن الاحتياطي الفيدرالي فقط عن استثناء منهجي للمخاطر. ثانيا، فتح الاحتياطي الفيدرالي نافذة تمويل تسمح للبنوك بتبادل الأوراق المالية بالقيمة الاسمية التي تكون قيمتها أقل بكثير في السوق لمدة عام واحد. وهذا يقلل من مخاطر اضطرار البنوك إلى البيع بخسارة لمواجهة تدفقات الودائع الخارجة وتزويدها بتمويل مدعوم.
هذا الاستقرار المهم كان بعيدا عن الكمال لأنه عالج جزءا فقط من ضغوط النظام المصرفي، بينما ألحق أضرارا جانبية وعواقب غير مقصودة. إذ لا يزال عدد غير قليل من البنوك الإقليمية الأمريكية يعمل مع وجود عدم تطابق بين المطلوبات قصيرة الأجل والأصول طويلة الأجل. كما أن ميزانياتها العمومية مثقلة بالقروض العقارية التجارية الخطرة.
علاوة على ذلك، تخضع هذه البنوك إلى لوائح تنظيمية لا تضمن تغطية كافية لرأس المال - وهو خطأ يتم تضخيمه عبر الإشراف غير المنتظم الذي تم تفصيله في تقييم الاحتياطي الفيدرالي لفشل بنك وادي السيليكون. كما أنها تظل عرضة لدورة رفع أسعار الفائدة التي يسيء الاحتياطي الفيدرالي التعامل معها. وكل هذا من المرجح أن يثبط حماس النظام المصرفي لتقديم القروض، حتى لو كانت المخاطر الأخلاقية أكبر.
لحسن الحظ، ليس لدى هذه البنوك عديد من نقاط الضعف الهيكلية المباشرة كتلك التي فشلت. خذ مثلا، بنك باك ويست، الذي وجد نفسه في وضع صعب الأسبوع الماضي مع انخفاض سعر سهمه. وتتضاءل نسبة الـ25 في المائة من الودائع غير المؤمن عليها فيه، مقارنة بما كان يمتلكه بنك وادي السيليكون وبنك فيرست ريبابليك. كذلك، قاعدة عملائه أكثر تنوعا إلى حد كبير. ورغم ذلك، يتعين عليه حل مشكلات الميزانية العمومية وتجاوز تكاليف التمويل المرتفعة في وقت تتسم فيه الأسواق بالتوتر الشديد.
حالة السوق المزاجية ليست مفاجئة. فمنذ بداية العام حتى الآن، فشلت بنوك لديها ما يزيد على 530 مليار دولار من الأصول، متجاوزة بالفعل إجمالي عام 2008 خلال الأزمة المالية العالمية بعد تعديل الرقم حسب التضخم. الطريقة التي فشل بها بنك فيرست ريبابليك تلعب دورا أيضا. فقد ثبت أن المواءمة النظرية للحوافز في أوساط الجهات الفاعلة الرئيسة غير كافية لضمان حل في الوقت المناسب.
لقد رأى المساهمون في بنك فيرست ريبابليك أن حيازاتهم تفقد أكثر من 95 في المائة من قيمتها قبل أن يستحوذ بنك جيه بي مورجان عليه. وتعاقب الأسواق الآن أسهم البنوك دون تردد، خاصة تلك التي تتحدث عن تقييم "الخيارات الاستراتيجية". وهذا يترك الباب مفتوحا أمام حدوث حلقات مفرغة.
يمكن أيضا احتواء هذه المرحلة الثانية. أولا، يجب أن تمارس البنوك مزيدا من الاهتمام فيما تقوله، وأن يكون لديها تواصل سريع الاستجابة للغاية مع المستثمرين بشكل عام - وهو درس تم استيعابه بالفعل من قبل عدد قليل من المؤسسات. ثانيا، يجب على الاحتياطي الفيدرالي تعزيز نظام الإشراف الخاص به. ثالثا، قرارات القطاعين العام والخاص المتعلقة بالبنوك ينبغي أن تعمل وفقا لجدول زمني أضيق إذا لزم الأمر. رابعا، على القطاع العام طمأنة الأسواق بأنه بدلا من الأساليب الظرفية التي سادت حتى الآن، سيعمل على تجديد كل من نظام تأمين الودائع وتنظيم البنوك اللذين يعدان، خطا، أنهما لا ينطويان على أي تهديد منهجي.
يعد القيام بذلك أمرا ضروريا إذا كانت الولايات المتحدة تريد تجنب مرحلة ثالثة أكثر ضررا بشكل ملحوظ من الاضطراب المصرفي. فإذا فشلت البنوك الأقل إشكالية في الأسابيع القليلة المقبلة سيكون التأثير في النظام المالي والاقتصاد أشد.
ورغم مرونة سوق العمل بشكل مثير للإعجاب، فإن الولايات المتحدة ستجد نفسها قريبا في الطريق إلى ركود كان من الممكن تجنبه عبر خيارات محدودة للسياسة المالية والنقدية. إن احتمال حدوث أخطاء أخرى في السياسة سيكون كبيرا. وكل هذا في الوقت الذي يصبح فيه الضغط بطيء الحركة في القطاع المالي غير المصرفي أكثر وضوحا.
*رئيس كلية كوينز في جامعة كامبريدج