سحب بيضاء داخل دور السينما
حبات تشبه السحب البيضاء لا تستطيع تخيل نفسك تتابع فيلما من دونها حتى لو ستشاهده داخل المنزل. لرائحته سحر، ولصوت تناوله جاذبية. "الفشار" أو البوب كورن كما يحلو للبعض تسميته، نظنه وجبة حديثة بينما يعود تاريخه إلى آلاف الأعوام، فما حكايته وما سر ارتباطه بالسنيما؟!
هو في الأساس حبات نوع معين من أنواع الذرة يبدأ في التحول عند تسخينه فتسمع فرقعات ناعمة وتشم رائحة مميزة، تمثل التحول العنيف من بذور صلبة تحتوي على ماء ونشاء إلى ما يشبه السحب، فقشرة البذرة الصلبة تخور قواها عند تعرضها للحرارة نتيجة تحول الرطوبة داخلها إلى بخار والنشاء إلى مادة هلامية. يتمددان وعندما يصل مستوى الضغط داخل البذرة إلى تسعة أمثال الضغط الجوي تنفجر القشرة، ليشكلا رغوة تبرد وتجف بسرعة في الهواء مشكلة سحابة الذرة.
كل الفشار الذي يؤكل اليوم مستخلص من الذرة السكرية التي تناولها المستوطنون الأمريكيون الأصليون فيما يعرف الآن بجنوب المكسيك قبل نحو تسعة آلاف عام، ورغم تطور زراعة الذرة وإنتاج أنواع متنوعة منها ظل هذا النوع متسيد المشهد!
اكتشف علماء الآثار بقايا هذه السلالة من الذرة في عدد لا حصر له من الكهوف وأماكن السكنى في مختلف أنحاء جنوب غرب الولايات المتحدة. ومن الأمور المذهلة ما حدث مع عالم النبات توماس هاربر جودسبيد، مؤسس حدائق النباتات التابعة لجامعة كاليفورنيا الأمريكية، عندما تلقى هدية من عالم آثار تشيلي كانت عبارة عن حبات من الذرة تعود إلى عصر ما قبل حضارة الأنكا، وقام بتسخينها. كانت المفاجأة أنها انفجرت وكأنها حبات جديدة جلبت للتو من السوبرماركت! وهكذا تبين أن تلك البذور القوية ظلت قابعة ومستقرة ـ على مدار كل هذه الأعوام الطويلة ـ في أحضان غلافها الخارجي السميك، الذي تزيد قوته بأربعة أضعاف على نظيره الذي يحيط بأي من أنواع الذرة الأخرى.
ومنذ اخترع سلك النار في 1837 انتشر تناول الفشار وتعددت وصفاته، وفي 1893 ظهرت أول ماكينة عمل فشار عربة لقذف الفشار في التوابل عندما يطبخ وسرعان ما أمكن رؤية الباعة المتجولين في شوارع المدن الأمريكية بآلات مماثلة، وانتشر تناوله في السرك وأماكن الترفيه ما عدا المسارح ودور السينما، حيث عرف أنها لعلية القوم لا يجوز فيها تناول وجبات الشوارع، ولم تتغير النظرة إلا عندما حل الكساد على دور السينما، وكي ينعشوا سوقها بدأوا في بيع الفشار داخلها!