معادلة الطاقة .. تكاملية لا صفرية

العلاقة بين شرايين الطاقة ومصادرها المختلفة ليست علاقة تنافسية محضة، ويجب ألا تكون كذلك، بل الأخطر على مستقبل أمن الطاقة العالمي أن ينظر البعض إلى هذا التنافس ويضعه في نطاق المعادلة الصفرية، التي تعني أن يكسب فيها أحد مصادر الطاقة كل شيء مقابل خسارة المصادر الأخرى كل شيء! في المقابل، هناك من يرى أن العلاقة بين مصادر الطاقة المختلفة، مثل: الطاقة الأحفورية، والطاقة المتجددة بأنواعها، والطاقة النووية وغيرها، هي علاقة تكاملية بحتة، تهدف هذه التكاملية إلى ديمومة هذه المصادر، وذلك بتكثيف التعاون وتركيز الجهود على رفع كفاءة إنتاج واستهلاك جميع مصادر الطاقة دون استثناء.
اللافت أن هناك فئة تتصدر وسائل الإعلام بأنواعها المختلفة وتعد التقارير حول قرب نهاية عصر النفط، وأن نجمه آفل لا محالة، وهناك فئة أخرى تشاطرهم الأماني تضع الوقود الأحفوري، وعلى رأسه النفط، في قفص الاتهام، وأنه سبب جميع الكوارث الطبيعية والمناخية في العالم! وأن إحلال الطاقة المتجددة في أقرب وقت يعني خلاص العالم من آفة الوقود الأحفوري، واستقرار إمداداته، وسلامة مناخه. هناك مبالغة كبيرة من بعض وسائل الإعلام حول قرب ساعة الاستغناء عن النفط، وهي مبالغة -في رأيي- غير موضوعية ولا مهنية، والمتابع لهذه الحملات الإعلامية والتقارير من بعض بيوت الخبرة والمنظمات واللجان المختصة في هذا القطاع، يشعر بل يستنتج أنها صادرة من مطبخ إعلامي واحد لخدمة أجندات محددة.
تباينت الدراسات الاستشرافية حول مصادر الطاقة وحصتها العالمية على المديين القريب والمتوسط، منها المتفائلة والمتحفظة، ومنها الموضوعية المبنية على مدخلات دقيقة انعكست على مخرجاتها، وغير الموضوعية.
قبيل جائحة كورونا توقعت بعض الجهات العالمية المختصة أن النفط سيبقى متربعا على عرش صدارة مصادر الطاقة العالمية 2040 بنسبة 27 في المائة، ويأتي بعده الغاز الطبيعي 25 في المائة، بينما ستحتل الطاقة المتجددة المرتبة الثالثة كمصدر للطاقة في 2040 بنسبة قد تصل إلى 23 في المائة، ومن ثم الفحم الطبيعي بما يقارب 20 في المائة، وأخيرا الطاقة النووية 5 في المائة. الأرقام تدل على أن النفط سيبقى المصدر الأول للطاقة في العالم، ويجب التذكير أنه ليس حكرا على توليد الطاقة فقط، فله استخدامات وتطبيقات كثيرة جدا لا يتسع المقال لذكرها. جل المواد المستخدمة في صناعة السيارات الكهربائية ومحطات تزويدها بالكهرباء، والخلايا الكهروضوئية المستخدمة في محطات الطاقة الشمسية، جل هذه المواد من مشتقات النفط الذي يتباشر البعض بانتهاء عصره.
الدراسات الاستشرافية هي في نهاية المطاف توقعات علمية قد يطرأ تغيير على مدخلاتها، ما سيؤثر بطبيعة الحال في دقة مخرجاتها، لكن -في رأيي- سيكون مستبعدا أن يكون هناك تغير جذري في هذه المخرجات، حيث ينقلب ترتيب مصادر الطاقة على المديين المتوسط والبعيد رأسا على عقب بأن تتربع الطاقة النووية رأس القائمة على سبيل المثال! لكن يمكن أن تتبدل المراكز -في رأيي- بين النفط والغاز على سبيل المثال، أو أن ترتفع الحصة السوقية للطاقة المتجددة بصورة غير متوقعة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي