الأسمدة النظيفة .. طريق لتقليل انبعاثات الغازات
تعد الأسمدة المبنية على النيتروجين أساسية للحفاظ على الإنتاج الزراعي في المستوى المطلوب لإطعام سكان العالم المتزايد عددهم - لكنها إحدى أكثر ما يسهم في انبعاثات الغازات الدفيئة التي تسبب الاحتباس الحراري.
وجد تحليل شامل نشر في شباط (فبراير) أجراه يونهو جاو وأندريه كابريرا سيرينهو، باحثان من جامعة كامبردج، أن الأسمدة الصناعية والأسمدة المشتقة من فضلات الحيوانات تطلق ما يعادل 2.6 مليار طن تقريبا من ثاني أكسيد الكربون سنويا. يشكل ذلك 5 في المائة من انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم - أكثر من الطيران العالمي والسفن مجتمعين.
يقول سيرينهو إن المجموع العالي بشكل مثير للدهشة ينتج عما يحدث للأسمدة بعد وضعها في التربة. يطلق النشاط الميكروبي والتفاعلات الكيميائية في التربة الغازات - أهمها أكسيد النيتروس، الذي لديه تأثير قوي جدا في رفع درجة الحرارة. إن كل جزيء من جزيئات أكسيد النيتروس أقوى 265 مرة من ثاني أكسيد الكربون كغاز دفيء، كما أنه يبقى في الغلاف الجوي لمدة متوسطها 120 عاما.
"ينطلق ثلثا الانبعاثات من المحاصيل والحقول بعد وضع الأسمدة وثلث واحد فقط أثناء عمليات الإنتاج"، كما يضيف سيرينهو. "نعلم كيف ننتج أسمدة ذات حد أدنى من الانبعاثات وعلينا بالتأكيد فعل ذلك بأسرع ما يمكن، لكن علينا أن نعي أن خفض الثلثين المتبقيين يتعلق بتغيير أساليب الزراعة غالبا".
على جانب الإنتاج، تقول يارا إنترناشونال، الشركة الزراعية النرويجية العملاقة، إنها خفضت الانبعاثات من عملياتها 50 في المائة منذ 2005. تريد الشركة الآن تحقيق تقليل كبير آخر في البصمة الكربونية للأسمدة لديها عن طريق إنتاج الأمونيا - مكون أساس - بالطاقة النظيفة.
يتضمن تبني الطاقة النظيفة هذا إنتاج الهيدروجين بفصل جزيئات الماء باستخدام الكهرباء من مصادر متجددة، عوضا عن استخراجه من الوقود التقليدي، مثل الغاز الطبيعي. تقول بيرجيت هولتر، رئيسة الأسمدة النظيفة في "يارا"، إن التصنيع التجاري للمنتجات منخفضة الكربون سيبدأ في وقت لاحق من هذا العام في مصنع الشركة في بورشجرون، النرويج.
عدلت يارا بشكل أساس التكنولوجيا التقليدية لصنع سماد نظيف مشابه للغاية للمنتجات الموجودة المصنوعة من البيتروكيميائيات، لكن تقول إن بصمته الكربونية أقل بـ80 إلى 90 في المائة. تشرح هولتر، "يكمن الجمال في أن هذه الأسمدة النظيفة لديها الخصائص الفيزيائية والكيميائية نفسها التي لدى تلك المصنوعة من البيتروكيميائيات لكي يستطيع المزارعون استخدامها بالطريقة نفسها".
يقدم البعض ابتكارات أوسع. أحدها شركة سي سي إم تكنولوجيز البريطانية الناشئة التي تقع خارج سويندون. تستخدم عمليتها الحاصلة على براءة اختراع ثاني أكسيد الكربون المأخوذ من النشاطات الصناعية، مثل إنتاج الغاز الحيوي، الذي سيتسرب إلى الغلاف الجوي لولا ذلك. يتفاعل هذا مع المواد العضوية، مثل الوحل من محطات معالجة مياه الصرف الصحي أو المخلفات من مصانع الأغذية، لإنتاج حبيبات سماد غنية بالمواد الليفية إضافة إلى النترات ومغذيات المحاصيل الأخرى. كما تخفض العملية الانبعاثات 90 في المائة مقارنة بأساليب الإنتاج لأسمدة المعادن التقليدية.
يقول باول كيسيليوسكي، الرئيس التنفيذي لسي سي إم، إن الشركة تعمل مع مصانع الغذاء مثل بيبسيكو، التي يطلق مصنعها لرقائق والكرز في ليستر كميات كبيرة من مخلفات البطاطس ما يشكل مدخلا مثاليا لإنتاج السماد.
لكن من المحتمل أن تكون معالجة مياه الصرف الصحي مصدرا أكبر على المدى الطويل. واحدة من أكبر منشآت سي سي إم، حتى الآن، موجودة في مصنع سيفيرن ترينت واترز مينوورث بالقرب من برمنجهام. يمكن أن تنتج تيارات المخلفات من مرافق المياه في المملكة المتحدة ما يصل إلى 500 ألف طن من الأسمدة في العام، ما يعادل ثلث الأسمدة الكيميائية المستخدمة في المملكة المتحدة، حسب تقديرات الشركة.
تبدأ سي سي إم في بيع منتجها سي سي إم جروث في سوق المملكة المتحدة، مع احتمال توفر ثلاثة آلاف طن في 2023. يقول كيسيليوسكي، "لقد نفدت الكميات المنتجة هذا العام بالفعل. تسعى شركات الأغذية إلى شراء عشرات الآلاف من الأطنان للمساعدة على تقليل انبعاثات الكربون لديها".
كما تزعم الشركة بأن سمادها النظيف يعالج أيضا مشكلة انبعاثات الغازات الدفيئة بعد استخدامه، بينما يحسن جودة التربة ويوفر المغذيات الأساسية للمحاصيل. يعود سبب هذا، كما تقول، إلى أن حبيباتها تحتوي على تكوين ليفي أكثر من الأسمدة الاصطناعية التقليدية، التي تغير طريقة تفككها في التربة.
تعمل يارا أيضا مع المزارعين لتقليل الانبعاثات ما بعد الاستخدام من أسمدتها بتقليل كمية السماد التي لا تمتصها النباتات.
"علينا المساهمة بكل الطرق التي باستطاعتنا لنبني مستقبلا طبيعيا للغذاء، وهنا نزيد من "كفاءة استخدام النيتروجين" بمطابقة إمدادات المغذيات بمتطلبات المحاصيل"، كما تقول أنكي كواست التي تقود حملة يارا لتصبح محايدة للكربون. "نحن نطور أدوات لمساعدة المزارعين على تحقيق إدارة المغذيات في الوقت المناسب".
كما تضيف أنه من خلال تطبيق كفاءة استخدام النيتروجين بشكل صحيح، يمكن للمزارعين تقليل البصمة الكربونية للمحاصيل بشكل كبير. توفر "يارا" تطبيقا يراقب نمو المحاصيل ويقيس متطلبات النيتروجين للنباتات أثناء تحرك آلة رش الأسمدة عبر الحقل، ويعدل معدل الاستخدام وفقا لذلك.
في كامبردج، يقول سيرينهو إن إحدى الوسائل الكيميائية لتقليل انبعاثات ما بعد الاستخدام ستكون عبر إضافة مركبات تدعى مثبطات النترجة - التي تمنع بكتيريا التربة من تحويل النيتروجين في السماد إلى أكسيد النيتروس. لكنه يشير إلى أنه ليست لدينا معلومات كافية عن أثرها البيئي لنثق بأنها آمنة - كما أنها ستجعل الأسمدة أعلى ثمنا.
بدلا من ذلك، قد تكون الطريقة الفاعلة الوحيدة لتقليل انبعاثات الأسمدة هي خفض الكميات المستخدمة بشكل كبير. "إننا نستخدم كميات أكبر بكثير مما نحتاج"، حسبما يقول سيرينهو. "لابد أن نجد المزيج المناسب من الحلول المالية والتنقية والسياسية لتقليل الانبعاثات والحفاظ على تغذية العالم في الوقت نفسه".
تشير دراسة كامبردج إلى أن الانبعاثات، باستخدام جميع تدابير التخفيف المتاحة لتصنيع الأسمدة واستخدامها، قد تنخفض 80 في المائة من مستويات اليوم.