ستارشيب .. اقتصاد الرهان الجريء لإيلون ماسك

ستارشيب .. اقتصاد الرهان الجريء لإيلون ماسك

في مثل هذا اليوم قبل 18 عاما، أكملت طائرة A380 العملاقة، أكبر طائرة ركاب في العالم، رحلتها الأولى. بعد طيرانها، سرعان ما أصبحت الطائرة ذات الهيكل العريض مفضلة للمسافرين جوا، حيث تفوقت على الطائرات المنافسة في استطلاعات الرأي المتعددة للركاب. قال عاملون في مجال الطيران مازحين "إنها تحظى بالشعبية لأنها نادرا ما تمتلئ بالركاب"، لذلك حتى ركاب الدرجة السياحية كان يمكن أن يتمددوا في الرحلات الطويلة. مع الأسف، أجبرت ندرة طلبيات شركات الطيران شركة إيرباص على إيقاف إنتاج الطائرة بشكل مفاجئ في 2019.
أثناء مشاهدة مركبة إيلون ماسك الفضائية ستارشيب وهي تقلع من بوكا تشيكا في تكساس الأسبوع ما قبل الماضي، لم يسعني إلا التفكير في المقاعد الفارغة على طائرة A380.
كطائرة A380، تمثل رحلة ستارشيب الأولى الخطوة الأولى في تجربة جريئة "حتى لو فشلت في الوصول إلى الفضاء". إنه أقوى صاروخ في العالم، وإذا نجح، فسيكون قادرا على حمل ما يصل إلى 150 طنا متريا من الحمولة إلى المدار الأرضي المنخفض. في سياق ذلك، تتوقع مجموعة يورو كونسلت للأبحاث والاستراتيجيات الصناعية رفع 9100 طن إلى الفضاء بين 2022 و2031. وبافتراض أنه يمكن لستارشيب التوسع بنجاح بإطلاق صاروخ واحد في الأسبوع، فمن المحتمل أن تنقل ما يعادل عقدا من الأقمار الاصطناعية في 14 شهرا.
لكن، كما الحال مع طائرة A380، هناك مسألة ما إذا كانت صناعة الأقمار الاصطناعية تحتاج بالفعل إلى الطاقة الاستيعابية الهائلة التي تقدمها. إذا استطاعت مركبة ستارشيب الطيران بسعة احتياطية أو بشكل غير متكرر، فهل ستكون قادرة على الوفاء بوعد تقديم أسعار إطلاق أقل بكثير من 200 دولار للكيلوجرام إلى مدار أرضي منخفض، وهو انخفاض كبير من 6500 دولار للكيلوجرام المعلن عنه لحمولة ثانوية مع "ستارلينك" على صاروخ فالكون 9 في وقت سابق من هذا العام؟
لحسن الحظ بالنسبة إلى ستارشيب، لن تضطر المركبة إلى البحث عن عمل في الأعوام الأولى. التوسع السريع في كوكبة الأقمار الاصطناعية ستارلينك لماسك، وبوجود خطط لإطلاق نحو 7500 قمر اصطناعي من الجيل التالي متوقع انضامه إلى أكثر من ثلاثة آلاف قمر موجود بالفعل في المدار، سيبقي الصاروخ مشغولا في المستقبل القريب. ولكن ما إذا كان تقديم خدمات الإطلاق لستارلينك سيكون عملا مربحا، فهذه مشكلة أخرى. لا تتمتع شركة سبيس إكس بالشفافية، لذلك من الصعب معرفة الثمن الذي ستدفعه" ستارلينك" مقابل الخدمة.
سيحظى الصاروخ، الذي سيتم تكييفه لإيصال رواد الفضاء والبضائع إلى القمر في 2025، بدعم قوي من وكالة ناسا والحكومة الأمريكية. لكن بخلاف هؤلاء العملاء، من الصعب قياس ما إذا كان هناك طلب كاف من الشركات المستقلة لضمان خدمة مجدية تجاريا استنادا إلى حجم ستارشيب.
يظهر كثير من العملاء المعروفين والراغبين في وضع كوكبة أقمار اصطناعية في المدار علامات على أنهم سيتجنبون سبيس إكس بقوة، حتى لو كان ذلك يعني دفع مزيد من الأموال. قال كاليب هنري، مدير الأبحاث في شركة كيلتي أناليتكس "لقد لاحظنا وجود نمط معين في الشراء في أوساط تلك الشركات التي تعد ستارلينك منافسة لها". من ضمنها شركة ون ويب، التي تعاونت مع شركة آريان سبيس لإطلاق معظم أقمارها الاصطناعية، وأمازون التي اشترت رحلات على "آريان سبيس" و"بلو أوريجن" و"يو إل إيه" لـ"بروجكت كويبر". وقد يؤدي القلق بشأن السيادة أيضا إلى ثني المشترين في بعض البلدان.
يعتقد رون إبشتاين، المحلل في بنك أوف أمريكا جلوبال ريسيرتش، أن "سبيس إكس "ستكافح من أجل الوفاء بوعد تقديم سعر منخفض في الأعوام الأولى. وقال "من المرجح أن تكون ستارشيب أعلى ثمنا من التقديرات نظرا لانخفاض فرصة إكمال عملية إطلاق تامة".
حتى إذا كانت ستارشيب قادرة على خفض الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة، فقد لا ترغب في تفكيك فالكون9، كما يقول بيير ليونيت، رئيس الأبحاث في هيئة الفضاء الأوروبية يوروسبيس.
يشكك ليونيت أيضا في الاعتقاد الشديد لدى كثيرين في صناعة الفضاء بأن أسعار الإطلاق المنخفضة وحدها ستحفز في الواقع النمو التحولي في عدد الشركات التي ترغب في الذهاب إلى الفضاء. قد تنخفض أسعار الإطلاق المعلن عنها، لكن سيتم تكبد تكاليف إضافية لوصول قمر اصطناعي من ستارشيب إلى مداره، تماما كما ينزل الركاب في مطار محوري عبر A380، حيث يتعين عليهم أخذ رحلة ثانية إلى وجهتهم النهائية.
الأهم من ذلك، أن تكلفة البنية التحتية لتمكين هذه النماذج التجارية الجديدة من النجاح -شبكات الأقمار الاصطناعية نفسها- يجب أن تنخفض. يقدر ليونيت أن تكاليف الإطلاق في المتوسط لا تزيد على خمس تكاليف البنية التحتية الإجمالية لكوكبة الأقمار الاصطناعية التجارية. ويقول "الإطلاق مدفوع بالطلب على البنية التحتية. حتى لو كان الإطلاق مجانيا، فهذا لا يعني أنه من المعقول اقتصاديا وضع شيء ما في الفضاء".
لكن مع كل ذلك، لم يتم تصميم ستارشيب أبدا لتلبية رغبة السوق في إطلاق بسعر مخفض أو لتحفيز اقتصاد الفضاء. قال ماسك "إن مهمته الأكبر هي نقل البشر إلى المريخ". في سياق هذه العملية، ستتيح ستارشيب بالتأكيد إمكانات جديدة لأولئك الذين يريدون الذهاب إلى الفضاء. لكن تحويل اقتصاد الفضاء سيتطلب ما هو أكثر من ستارشيب وحدها.

الأكثر قراءة