أخطاء السياسة جلبت عدم اليقين الهيكلي
هل أنت في حيرة من أمرك بشأن توقعات 2023 الاقتصادية الخاصة بالولايات المتحدة، أكبر اقتصاد في العالم؟ أنت بعيد كل البعد عن كونك الشخص الوحيد. فعلى مدى الأشهر الستة الماضية، تحول السرد المتفق عليه بين الاقتصاديين ومحللي وول ستريت من هبوط ناعم متوقع، إلى هبوط عنيف، إلى عدم حصول هبوط. في الآونة الأخيرة، بدا أن الإجماع قد عاد إلى الهبوط العنيف، حتى إن بعضهم قلق من حدوث انهيار جراء الاضطرابات المصرفية.
تعكس هذه الأفعوانية بشكل أساسي تفاعل التطورات الخارجية مع أخطاء السياسة والحديث غير المتسق عن السياسة من جانب الاحتياطي الفيدرالي. إنه أمر غير مألوف بالنسبة إلى الاقتصاد الأكثر نفوذا في العالم، الذي لديه مؤسسات ناضجة.
لم تكن روايات السوق وحدها هي التي شهدت تقلبات. كانت التحركات في القطاعات الرئيسة من الأسواق المالية أيضا شبيهة بركوب الأفعوانية. لنأخذ، مثلا، العائد على سندات الخزانة لمدة عامين، الذي يلعب دورا مهما في كثير من الأنشطة المالية. بالنظر إلى أنه عادة ما يرتكز على سياسات الاحتياطي الفيدرالي وتوجيهاته المستقبلية، فقد تذبذب هذا العائد في آذار (مارس) في نطاق عريض مذهل يراوح بين 3.58 و5.08 في المائة.
في هذه الأثناء، واصلت الأسواق استبعاد مسار أسعار الفائدة في عام 2023 الذي أشار إليه الاحتياطي الفيدرالي، واحتسبت سلسلة من تخفيضات أسعار الفائدة التي أكد جاي بأول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، وزملاؤه مرارا أنها لن تحدث. ومن غير المرجح أن تتبدد هذه التطورات غير العادية في أي وقت قريب، نظرا للشكوك الدورية والهيكلية التي تواجه الاقتصاد الأمريكي.
علاوة على ذلك، الاحتياطي الفيدرالي غير قادر على التصرف كمرساة قوية بما فيه الكفاية نظرا لافتقاره إلى الرؤية الاستراتيجية الواضحة ولامتلاكه إطار سياسة نقدية عفا عليه الزمن. لا عجب أن كثيرا من الاقتصاديين المخضرمين اعترفوا بأن هذا واحد من أكثر الأوقات غموضا بالنسبة إلى الاقتصاد الأمريكي التي مروا بها في حياتهم المهنية.
الاستجابة الصحيحة لمثل حالة عدم اليقين غير المعتادة هذه هو تقبلها والتكيف معها. وعلى الرغم من تعقيد التوقعات، من الممكن تحديد مجموعة من المسائل التي من المرجح أن تحدد النتائج الاقتصادية النهائية.
أولاً، هناك جانب العرض الأقل مرونة للاقتصاد بينما يسير العالم في تحول الطاقة، وضيق سوق العمل، وإعادة تشكيل الشركات لسلاسل التوريد، والطريقة التي تغير بها التوترات الجيوسياسية العولمة.
ثانيا، قدرة الاحتياطي الفيدرالي على خفض التضخم، مع احتواء الضرر الذي يلحق بالوظائف والنمو، والحفاظ على الاستقرار المالي، المعضلة الثلاثية للسياسة.
ثالثاً، مدى العدوى الاقتصادية السلبية الناشئة عن الهزات الأخيرة في البنوك المجتمعية والإقليمية، بما في ذلك هشاشة بنك فيرست ريبابليك والأثر العام في الإقراض المصرفي نتيجة ارتفاع تكاليف التمويل، وزيادة مخصصات خسائر القروض، وقاعدة ودائع أقل استقرارا، والبدء المحتمل لتشديد الرقابة والتنظيم.
أخيرا، العلاقة الأكثر تعقيدا على الدوام بين الاقتصاد والسياسة، على الصعيد المحلي "بما في ذلك سقف الديون الأمريكية"، وعلى الصعيد الدولي "بما في ذلك كيف تتفوق اعتبارات الأمن القومي على الاعتبارات الاقتصادية".
فيما يتعلق بهذه المسائل المعقدة، نواجه جميعا مجموعة كبيرة من النتائج المعقولة. لذلك تحتاج العقليات وأساليب التخطيط إلى الابتعاد عن افتراض السيناريو الأساسي السائد الذي ينطوي على مخاطر إضافية أقل احتمالا.
للقيام بذلك، يجب على صانعي السياسات والشركات توفير مزيد من الحماية ضد المصائد السلوكية مثل التحيز إلى القناعات الشخصية، والنقاط العمياء، والقصور الذاتي النشط. ينبغي التحلي بالتواضع للاعتراف بأنه حتى في أفضل الظروف، من المحتمل أن تحدث الأخطاء ومن المهم أن تظل منفتحا على تصحيح المسار، والتعلم منها ومن تجارب الآخرين. ولا يحدث هذا دون التحول من التفكير الجماعي المريح إلى التنوع المعرفي الأكبر.
ستعاقب الأسواق الشركات وإداراتها إذا لم تتكيف. وبالفعل، من المحتمل أن نشهد مزيدا من الضغوط المالية وحالات الإفلاس في الشركات التي تفتقر إلى المرونة، وكذلك تلك التي لديها أساليب عمل لا يمكن تكييفها بسهولة مع عالم ذي أسعار فائدة أعلى لفترة أطول. يشمل هذا الأخير العقارات التجارية التي تقترب ساعة الحقيقة الخاصة بها، تجب إعادة تمويل أكثر من تريليون دولار من الممتلكات في الـ18 شهرا المقبلة.
الضغط للتكيف في الوقت المناسب غائب بشكل ملحوظ بالنسبة إلى المؤسسات ذات الإدارات التي لا تخضع لضوابط وأنظمة السوق، أو انتخابات ديمقراطية منتظمة، مثل الاحتياطي الفيدرالي. من أجل رفاهية البلد، يتعين على هذه المؤسسات أن تكون أكثر انفتاحا على الاضطرابات الذاتية، وأن يشتمل هيكل إدارتها على مساءلة أقوى.
بدون ذلك، فإن الدور الثابت والتوجيهي للنضج المؤسسي في الولايات المتحدة سيضعف بشكل أسرع في مواجهة تآكل المصداقية، الأمر الذي يحول هذه الميزة التفاضلية التي كانت مهيمنة يوما ما في الولايات المتحدة إلى مصدر أكبر لعدم الاستقرار المحلي والعالمي.
*رئيس كلية كوينز في جامعة كامبريدج