المناطق الاقتصادية الخاصة .. التجربة والتأثير
تتبادر إلى الذهن كمية كبيرة من التفاؤل حين ننظر إلى المحفزات الاقتصادية الاستثنائية طويلة الأجل، وهي أعمال ضخمة بكل ما تعنيه الكلمة. آخر هذه البرامج ما تم إعلانه أخيرا من إطلاق أربع مناطق اقتصادية خاصة في أرجاء المملكة. التجربة العالمية في إطلاق هذه البرامج ليست جديدة، فهناك كثير من النماذج الناجحة في المنطقة وعلى مستوى العالم. تتفاوت هذه البرامج من حيث الخصوصية والاستقلالية ومن حيث طبيعة المحفزات الاقتصادية التي تقوم عليها، والأهداف التي تصمم من أجلها مساهمة في الاقتصاد.
تتعدد نماذج المناطق الاقتصادية الخاصة، من الأسواق الحرة التي تقدم الخدمات اللوجستية والتسهيلات الضريبية وتسهيل الاستيراد والتصدير، إلى المناطق متعددة الاستخدامات والحدائق الصناعية وحدائق الأعمال والمناطق الاقتصادية المستقلة. وعلى الرغم من تعدد النماذج التي يتم تصميمها وفق الاحتياج والمستهدف الاقتصادي والظروف والمصادر المتاحة، إلا أن جميعها يتسم بالتمركز الجغرافي والإدارة الموحدة والمنافع الواضحة والمحددة للمستثمرين والإجراءات النظامية الميسرة للمستفيدين، بما في ذلك الإجراءات الجمركية والضريبية والتجارية. وترتقي هذه المناطق في الخصوصية حسب النسخ الخاصة بها في الأنظمة التي تتسم بالتحرر الاقتصادي، وتحفيز الاستثمار الأجنبي والبنية التحتية المتطورة والملائمة لمستهدفات المنطقة والدعم المالي المباشر للمستثمرين، سواء في هيئة تمويل أو إعفاءات ضريبية أو خلافه.
ووفق ورقة علمية نشرها البروفيسور دوجلاس زينج يتحدث فيها عن الدروس المستفادة من إنشاء المناطق الخاصة، يذكر أن أول منطقة اقتصادية خاصة حديثة تم تأسيسها في مدينة شانون في أيرلندا 1959، وبعدها بدأت دول شرق آسيا وأمريكا اللاتينية في السبعينيات تأسيس المناطق الاقتصادية الخاصة تباعا لجذب الاستثمارات الأجنبية، خصوصا في القطاعات الصناعية. نما عدد المناطق الاقتصادية على مستوى العالم من 176 في 1986 إلى 4300 منطقة في 2015 تنتشر في 130 دولة. ونظرا إلى اختلاف النماذج المستخدمة على مستوى العالم، ولأنها بطبيعة الحال برامج طويلة المدى تتطلب أعواما من البناء والتشغيل، فإن الحكم بنجاح أو فشل التجربة ليس بالأمر السهل. لكن، لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهل الأثر والأهمية الاقتصادية لهذا النوع من الجهود، خصوصا قدرتها على تسريع التحفيز الاقتصادي وتجاوز المعضلات التشريعية في توقيت سريع نسبيا.
شكلت المناطق الاقتصادية الخاصة في دولة مثل الصين أحد محفزات النمو على مدى العقود الماضية، إذ أسهمت بما يعادل 22 في المائة من الناتج المحلي وأدخلت أكثر من 45 في المائة من الاستثمارات الأجنبية عن طريق مناطقها الخاصة، وتخرج أكثر من 60 في المائة من الصادرات عن طريقها كذلك. وهناك عديد من الأرقام التي تربط بين أثر هذه المناطق في التوظيف وتحديات البطالة، فجبل علي يوظف ما يعادل 13 في المائة من القوى العاملة في دبي، والمناطق الاقتصادية الثماني في بنجلادش توظف 350 ألف عامل، وفي الدومينيكان توظف المناطق الصناعية الحرة ما يزيد على 200 ألف وظيفة. ومع ذلك، هناك كثير من التفاصيل التي يصعب إثبات أثرها نظرا إلى تفاوت التجارب وقلة البيانات، مثل الأثر في تنويع الصادرات والتبادل المعرفي.
ومع أن تطوير هذه البرامج الخاصة التي تتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية يعد أمرا يستحق الاهتمام، إلا أنها يجب ألا تفهم كبديل شامل للتنمية المحلية على سبيل المثال. هي تظل مجرد نوافذ مؤثرة ومجددة لصحة الاقتصاد لكنها لا تمثل الصورة الكلية لمكونات الاقتصاد، إن نجحت، ستشكل تجارب ممتازة تسهم في النتائج وتقود المنطقة في الممارسات. يذكر البروفيسور زينج، وفق مراجعته مختلف النماذج العالمية خصوصا الشرق آسيوية بما فيها التجارب الصينية والكورية والسنغافورية، عدة نقاط تمثل مفاتيح النجاح للمناطق الاقتصادية الخاصة. يأتي على قمة هذه النقاط تناسق وحيوية التصميم والبيئة التشريعية والبنية التحتية إضافة إلى ذلك، التوافق مع استراتيجيات التنمية الوطنية والربط مع الاقتصاد المحلي. يأتي بعد ذلك تصميم وإدارة الأعمال التشغيلية وهذا من الأهمية بمكان لأنه يعد محدد النجاح العملي الأهم. وبالطبع هناك قائمة طويلة من التحسينات المعرفية والمهارية والابتكارية وتوفير الموارد للعملية الإنتاجية.