الصين تسحب البساط من نادي باريس

الصين تسحب البساط من نادي باريس

عندما واجهت الأسواق الناشئة آخر مرة أزمة ديون كبيرة في تسعينيات القرن الماضي كان باستطاعة الدائنين المؤثرين، الذين تمت تسميتهم على اسم المراكز التقليدية للدبلوماسية والتمويل، التجمع بسرعة بشكل سري للاتفاق على حل.
هذه الأيام، ثبت أن الجمع بين مجموعة أكثر تنوعا من المقرضين أصبح ممارسة أكثر تعقيدا.
أعضاء نادي باريس هم في الغالب الدول الغربية التي كانت تهيمن على القروض الثنائية (القروض التي يتم تقديمها مباشرة من حكومة إلى حكومة أخرى). لكن مساهماتهم تتضاءل أمام الصين التي يزيد حجم القروض التي تقدمها لبلدان العالم على ما يقدمه المقرضون الثنائيون الآخرون مجتمعين. في الوقت نفسه، فقد نادي لندن للبنوك التجارية أهميته، مع لجوء المقترضين لجمع الأموال بشكل متزايد في أسواق السندات.
هذه التحولات تعني أن مواقف الدائنين أصبحت أقل اتساقا بكثير. تقول آنا جيلبيرن، الزميلة البارزة في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، إن الوافدين الجدد "ليسوا متأصلين" في بنية الأندية التي تم استحداثهما في وقت سابق.
الذي حل محل الأندية هو لعبة إلقاء اللوم. يتهم المنتقدون الصين بالإقراض بشروط تمنحها ميزة خفية على المقرضين الآخرين. ورغم الإشكاليات المرتبطة بقروضها، أصبحت الصين مقرضا بديلا يلتجأ إليه كملاذ أخير، ما يمثل تحديا لصندوق النقد الدولي ويعرقل مفاوضات إعادة الهيكلة من خلال محاولة فرض شروطها الخاصة.
بالنسبة للمتخلفين عن السداد -مثل زامبيا وسريلانكا وغانا وغيرها- الافتقار إلى ناد غير رسمي كان يعني أن إعادة هيكلة الديون بطيئة بشكل محبط، تستغرق أعواما في بعض الحالات. من المرجح أن يعاني مزيد من جهات الإصدار السيادية قريبا المصير نفسه لأن ارتفاع تكاليف الاقتراض العالمية وضعف النمو تدفعانها نحو الإفلاس. وبحسب بعض المحللين، سيكون من الصعب إيجاد النهج الصحيح لكسر أزمة الديون، مع الاعتماد الكبير على بكين.
في وقت سابق هذا الشهر بدا أن الصين خففت من معارضتها للعمل الجماعي. ربما تكون قد تخلت عن إصرارها على انضمام بنوك التنمية متعددة الأطراف إلى الدائنين الآخرين في شطب قروضهم. ينظر اقتصاديون والحكومات الغربية إلى هذا الاقتراح، الذي من شأنه أن يرفع تكاليف التمويل للبنك الدولي وبنوك التنمية الأخرى، على أنه اقتراح غير ناجح.
يقول كليمنس لاندرز، الزميل الأول في مركز التنمية العالمية، وهو مؤسسة فكرية، إن مثل هذا التغيير في موقف الصين سيكون "إنجازا مهما طال انتظاره".
وضعت مجموعة العشرين للاقتصادات الكبيرة -التي تعد الصين عضوا فيها- إطارا مشتركا، لكن أربع دول فقط وقعت عليه: زامبيا وتشاد وإثيوبيا وغانا. يرجع ذلك جزئيا إلى أن الإطار يلزم المدينين بالسعي إلى المعاملة نفسها من جميع الدائنين، بما فيهم الموجودون في القطاع الخاص، وهو أمر يحرص عديد من الحكومات على تجنبه خوفا من الإضرار بجدارتها الائتمانية.
في الأثناء، يشير حاملو السندات إلى أنه يتم إبقاؤهم خارج الصورة.
يرى كيفين دالي، المدير في شركة أبردين لإدارة الأصول، أن تقييم صندوق النقد الدولي لاحتياجات بلد مدين يجب أن تتم مشاركته مع جميع الدائنين منذ البداية، بما فيهم حملة السندات، وليس فقط بعد أن يتوصل المقرضون الثنائيون إلى اتفاق.
في زامبيا، مثلا، يشير دالي إلى أن حملة السندات، بصفتهم دائنين، يعادلون بكين في الحجم. قال: "نحاول الخروج بأفكار من أجل تسريع الأمور، لكننا أضعنا شهورا من الوقت المخصص لهذه العملية". أضاف: "مع ذلك، نحن لسنا من كان يقوم بالإقراض المتهور بشروط غامضة".
يقول بعضهم إن التسريب الأخير لمعايير صندوق النقد الدولي لصفقة تمت في سريلانكا يقدم سابقة لمزيد من الشفافية للقطاع الخاص. إن رؤية حاملي السندات لما يمكن توقعه في وقت مبكر دون حدوث أي ضرر للمفاوضات يعزز الحجة لجعل الشفافية عادة.
هناك طريقة أخرى لتعجيل الأمور تتمثل في زيادة التمويل المتاح من بنوك التنمية المتعددة الأطراف بشكل كبير، وتمكينها من تقديم مزيد من المنح أو القروض الميسرة للبلدان، التي تعاني ضوائق مالية، بدلا من تخفيف الديون بشكل مباشر. كيفية فعل ذلك تخضع لمناقشات نشطة.
وفيما يبدو أنه محاولة لإحياء اجتماعات الأندية، التي كانت تعقد في الماضي، حاول صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومجموعة العشرين حشد جميع الدائنين في مبادرة جديدة. اجتمعت أطراف مبادرة المائدة المستديرة للديون السيادية العالمية في واشنطن أخيرا - شاركت في المحادثات كل من الصين وأعضاء نادي باريس، إلى جانب ممثلي القطاع الخاص.
لكن لم يتم إحراز سوى تقدم ضئيل. حتى مع وجود عدد أكبر من المقرضين حول الطاولة نفسها، فإن اتخاذ خطوة فعلية سيكون بطيئا. لكن في الوقت الحالي، مع عدم طرح حلول عملية أخرى، يأمل المقترضون والمقرضون أن يتم منح المنتدى فرصة للنجاح.

الأكثر قراءة