ترويض التضخم بالتجارة الدولية «2 من 4»
هناك نمط تاريخي للعولمة يدفع إلى تباطؤ معدل التضخم. فما ينظر إليه عادة على أنه العصر الأول للعولمة الحديثة بدأ في منتصف القرن الـ19 مع أزمات الجوع. وقد تخللته الحرب العالمية الأولى، وتلاها الكساد الكبير. وفي نهاية المطاف، انطلق نمط جديد من العولمة في سبعينيات القرن الماضي. وبدأت نقطتا التحول -في أربعينيات وخمسينيات القرن الـ19 وسبعينيات القرن الماضي- بنقص في الإمدادات وطفرات تضخمية.
في الحالتين، أدت الانفراجات التكنولوجية في النقل إلى عولمة مبتكرة. فقد أسهم المحرك البخاري في فتح القارات بالسكك الحديدية وفتح المحيطات بالسفن البخارية. وعقب عقد السبعينيات من القرن الماضي، خفضت حاويات الشحن تكلفة نقل البضائع بشكل حاد. وظهرت الاختراعات الفعلية في وقت سابق بكثير. فقد استطاع ماثيو بولتون وجيمس وات بناء محركات بخارية صالحة للتشغيل في سبعينيات القرن الـ18، وتم إطلاق أول سفينة حاويات في 1931.
لقد تطلب الأمر حدوث صدمة حادة في كل حالة لتحويل الأفكار المثيرة للاهتمام إلى تكنولوجيات تحويلية، أزمات الجوع في منتصف القرن الـ19، ثم طفرات أسعار النفط في سبعينيات القرن الماضي. فالاضطرابات الناجمة عن الزيادات الكبيرة في الأسعار هي التي أوجدت الظروف الملائمة لإدراك القوة التحويلية للابتكارات. ولم يأت العائد الكبير إلا بسبب ظروف النقص في الإمدادات.
واعتمد الاستخدام واسع النطاق للابتكارات على اختيار السياسات، بدءا من إزالة المعوقات أمام التجارة. والثورات التي شهدتها الحكومات كانت تعني أن السلطات العامة أخذت على عاتقها عددا أكبر بكثير من المهام المتعلقة بإدارة الاقتصاد، بما في ذلك توجيه مسار تحرير التجارة وكتابة التشريعات التي أحدثت ثورة في مسار المؤسسات. وفي القرن الـ19، تمت إعادة تشكيل الأعمال التجارية من خلال أشكال جديدة للشركات، بما في ذلك الشركات المساهمة المشتركة ذات المسؤولية المحدودة والبنوك الشاملة التي حشدت رأس المال بطرق مبتكرة. وأدى الجمع بين إمدادات الذهب الجديدة والابتكار المصرفي، إلى حدوث طفرات نقدية وسعرية.
وعاد استقرار الأسعار والنظام النقدي، وأدى إلى توافق في الآراء حول إطار نقدي مستقر وقابل للتطبيق دوليا، إذ سعت الدول إلى آلية تسمح لها بجذب التدفقات الرأسمالية الوافدة أو زيادة العولمة... يتبع.