غياب التناغم بين المستثمرين وتحركات السوق
التشبيه بالطائرات أصبح سائدا في التعليقات الخاصة بالأسواق خلال العام الماضي، وهو يركز عامة على المدى الذي يمكن فيه لجاي باول، طيار الاحتياطي الفيدرالي، أن يقود الاقتصاد إلى هبوط سلس. هل يمكنه هندسة تباطؤ في التضخم دون التسبب في انهيار؟
يبدو أن الركاب يشعرون بالتوتر. "استعدوا لهبوط مفاجئ في الضغط"، كتب مات كينج، استراتيجي الأسواق العالمية في "سيتي"، هذا الأسبوع. في مذكرة للعملاء، قال إن الأداء اللائق الذي لا يمكن إنكاره في الأسواق الرئيسة حتى الآن هذا العام -ارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 ومؤشر إم إس سي آي العالمي بنحو 8 في المائة- غالبا ما يعزى إلى "تحسينات حقيقية" في التوقعات الاقتصادية.
قال لا تصدقها، مشيرا بدلا من ذلك إلى أن أسعار الأصول تتصرف مرة أخرى، كما لو أن البنوك المركزية تساير التيسير الكمي -مشتريات السندات التي تكمل خفض أسعار الفائدة في محاولة لدعم الاقتصاد.
كتب: "تحركات السوق هذا العام كانت تبدي شعورا يشبه التيسير الكمي (...) ألا تعتقد ذلك؟". أضاف: "تقلبات أسهم منخفضة على نحو غامض (...)العوائد الحقيقية تعود إلى الحد الأدنى من النطاقات الأخيرة. التقييمات في كل من السندات والأسهم لا يبدو أن أحدا قادر على رؤية تناسقها مع خطاب البنك المركزي أو (الأسس) الأساسية".
أشار إلى أنه حتى البيتكوين تشهد ارتفاعا. إذا كنت تعتقد أن السبب في ذلك هو أن رمز التشفير المميز قد أظهر منفعة جديدة مجدية، فلدي رمز مميز غير قابل للاستبدال لجسر لأبيعك إياه. في "ميتافيرس". بدلا من ذلك، فإن الوظيفة المفيدة الوحيدة التي تقدمها عملة البيتكوين هي إخبار العالم أن شيئا غريبا يدور في النظام المالي.
في هذه الحالة، قال كينج، إنه زيادة في الاحتياطيات. "فيما يتعلق بالإجراء الذي يهم الأسواق -أي الاحتياطيات- أضافت البنوك المركزية تريليون دولار في السيولة العالمية، أو التيسير الكمي الحقيقي". يعتقد أن ذلك أضاف 10 في المائة إلى الأسهم العالمية.
جاء أول ضخ كبير من بنك اليابان. قرب أواخر العام الماضي، أضاف أكثر من 200 مليار دولار من الاحتياطيات للدفاع عن سياسته طويلة الأمد المتمثلة في الحفاظ على عائدات السندات. آنذاك، سخر معظم مديري الصناديق الذين تحدثت إليهم من القول إن هذا كان يساعد أسعار الأصول العالمية، حتى على الهامش. الآن هو مقبول على أنه حقيقة على نطاق واسع.
أتى ما جعل الوضع أكثر روعة من الاحتياطي الفيدرالي، الذي تدخل لتخفيف الضغط بعد إفلاس بنك سيليكون فالي في آذار (مارس). كان هذا انعكاسا لنحو ثلثي تخفيض الميزانية العمومية للبنك المركزي الأمريكي الذي حدث في السابق.
قال كينج: "لكن في حين أن المحركين الفرديين متنوعون ومعقدون، نتوقع الآن أن يتوقف جميعهم تقريبا أو يتجهون إلى الاتجاه المعاكس تماما. نعتقد أن هذا يمكن أن يطرح 600 مليار دولار إلى 800 مليار دولار من السيولة العالمية في الأسابيع المقبلة (...)استمر في مراقبة بيانات السيولة - واربط حزام الأمان".
يبدو بالتأكيد أن المستثمرين يربطون أحزمة الأمان، تحسبا فقط. سلط أحدث استطلاع شهري لمديري الصناديق من بنك أوف أمريكا هذا الأسبوع الضوء على مزاج متشائم حاد. يتوقع 63 في المائة من المستثمرين الذين شملهم الاستطلاع الآن أن يضعف الاقتصاد، بزيادة 13 نقطة مئوية على أساس شهري.
لعل الأمر الأكثر شؤما هو أن مخصصات السندات ارتفعت إلى أعلى وزن منذ آذار (مارس) 2009. يأتي بعض ذلك من المستثمرين الذين يشترون كميات كبيرة بسبب الانخفاض الهائل في أسعار السندات الحكومية على مدار العام الماضي. لكن وزن الأسهم الأقل عند مديري الصناديق، مقارنة بالسندات وصل إلى المستوى الأقصى منذ الأزمة المالية.
هل هذا المستوى من التحذير منطقي؟ الأسواق مرنة على نحو لا يصدق بالنظر إلى قائمة الأشياء التي قيل لنا أن نقلق بشأنها في الآونة الأخيرة. ركود؟ لا توجد علامة معينة تدل عليه. أزمة مصرفية؟ لا، مرة أخرى. قال فهد كمال، كبير مسؤولي الاستثمار في بنك جي كلاينوورت هامبروس الخاص: "(إفلاس سيليكون فالي) كان يمكن أن يكون لحظة الأرشيدوق فرديناند التي تشعل النار. لكن لا يبدو أنه كان كذلك".
يثق كمال في أن استنزاف السيولة من البنوك المركزية قد يكون القشة التي تقصم ظهر البعير. لكن لا يوجد سبب من الأسباب الأخرى التي تدعو للفرار إلى التلال قد أثرت حقا. يقول: "المتشائمون متشائمون"، لكنه مع ذلك رفع درجة تحمله للمخاطر إلى محايد خلال الأشهر القليلة الماضية، ويرجع ذلك جزئيا إلى المرونة المطلقة التي أظهرتها الأسواق حتى الآن في 2023.
ستيفان مونييه، كبير مسؤولي الاستثمار في بنك لومبارد أودييه الخاص، من بين الذين يشعرون بالتوتر من عدم التوافق بين المزاج القلق السائد بين مديري الصناديق والصحة الجيدة على ما يبدو لأسواق الأسهم. يقول: "لا أحد متفائل (...) الارتفاع يحدث من تلقاء نفسه، والجميع مندهش بعض الشيء".
إنه يحاول البقاء على الحياد، ومتفائل نسبيا، لكن لفعل ذلك يحتاج إلى ما يسميه "عكازات" مثل المشتقات التي اشتراها لحماية محفظته في حالة تلقي الأسهم الأمريكية ضربة. إذا انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 15 في المائة أو نحوها، فإن 10 في المائة من انكشاف أسهمه الأمريكية محمي.
من الواضح أن المنشورات المتوترة لا تخلو من أشياء جديدة تقلق بشأنها. من المؤكد أن تحذير "سيتي" يستحق أن يؤخذ على محمل الجد. لكن يبدو أن المتشائمين يصرخون في فراغ. وكما أخبرني أحد المصرفيين أخيرا: "أنا متعب نيابة عنهم".