رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


أمراضهم تعالجنا

رغم تحول رفاتهم إلى ذرات واندماجها مع مكونات الأرض أو مشاركتها في تكوين النفط، إلا أن أجدادنا وأسلافنا لا يزالون يحملون همنا ومنحونا خصائص تساعدنا على مكافحة الأمراض والوقاية منها خاصة مرض السرطان.
لم يدر في خلد العلماء يوما أن أمراض أجدادنا ستفتح لنا الطريق اليوم للقضاء على أحد أشد أمراض العصر فتكا بالبشر. كان العلماء في معهد فرانسيس كريك يدرسون سرطان الرئة، السبب الرئيس للوفيات المرتبطة بالسرطان على مستوى العالم، لفهم سبب استجابة بعض المرضى بشكل أفضل من غيرهم للعلاج المناعي.
ولاحظوا وجود صلة بين الشفاء بشكل أفضل من سرطان الرئة وبين جزء من الجهاز المناعي، هذه الصلة اسمها "الخلايا البائية"، والتي قادتهم مصادفة إلى أن بقايا خلايا الفيروسات القديمة التي أمضت ملايين الأعوام مختبئة داخل الحمض النووي البشري في أجسامنا، يمكن تنشيطها بوساطة الخلايا السرطانية. وهذه العملية ساعدت عن غير قصد جهاز المناعة على استهداف الأورام ومهاجمتها!
ومن عظيم قدرة الله أن البقايا الخاملة لهذه الفيروسات القديمة تستيقظ عندما تخرج الخلايا السرطانية عن السيطرة، ما يوجه الخلايا البائية المناعية مباشرة نحو الورم والقضاء عليه، والخلايا البائية هي جزء من الجهاز المناعي في أجسامنا الذي يصنع الأجسام المضادة التي تهاجم أي جسم خارجي أو ضار وتشتهر بدورها في مكافحة العدوى، مثل فيروس كورونا، لذا يسعى الفريق إلى تسخير هذا الاكتشاف لتصميم لقاحات يمكن أن تعزز علاج السرطان، أو حتى تمنعه.
لقد كان ما تفعله هذه الخلايا في سرطان الرئة لغزا محيرا، استطاع فريق معهد كريك حله بعد سلسلة من التجارب المعقدة باستخدام عينات من المرضى، والاختبارات على الحيوانات التي أظهرت أن الأجسام المضادة تتعرف على بقايا ما يسمى بـ"الفيروسات القهقرية الداخلية".
يقول البروفيسور جوليان داونوارد، مدير الأبحاث المساعد في معهد فرانسيس كريك، إن الفيروسات القهقرية تخدعنا وتقوم بإدخال نسخة من تعليماتها الجينية داخل تركيبة أجسامنا. لتصبح هذه الفيروسات القهقرية عنصرا أساسيا في شفرتنا الوراثية منذ عشرات الملايين من الأعوام وتتم مشاركتها مع القردة التي عاصرت الإنسان القديم، لتكون هذه الفيروسات ما يزيد على 8 في المائة من الحمض النووي الذي كنا نعتقد أنه "بشري" خالص، تعمل تلك الفيروسات كجهاز إنذار داخلنا، بينما قد تكون مسببة للسرطان لأسلافنا، فأمراض أسلافنا بالأمس قد تكون مفتاحا لعلاج أمراضنا اليوم!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي