لمن لديهم فوائض مالية .. المخاوف

على الرغم من أن صناديق أسواق النقد تستفيد من ارتفاع معدلات الفائدة بحكم أنها تستثمر في أدوات دين بفائدة متغيرة، أو قصيرة المدى في معظم الأحوال، إلا أنها واجهت تراجعات في أحجام أصولها منذ بدء مسلسل رفع معدلات الفائدة في آذار (مارس) 2022. ولا تزال هناك تحديات مقبلة لمستثمري صناديق أسواق النقد في الداخل والخارج نتيجة التقلبات الاقتصادية العالمية ومخاوف الركود الاقتصادي وأزمة سقف الدين الأمريكي المرتقبة.
تعد صناديق أسواق النقد من أكبر الصناديق الاستثمارية في المملكة، حيث تتجاوز أصول بعضها 30 مليار ريال وأكثر، وسبب جاذبيتها للمستثمرين أنها متدنية المخاطرة وتتمتع بمرونة عالية بحيث يستطيع المستثمر الدخول إليها والخروج منها بشكل أسرع من قيامه بذلك مباشرة عن طريق البنوك أو غيرها من المؤسسات المالية. وبالطبع تأتي المرونة والأمان بتدني العائد الذي تمنحه صناديق أسواق النقد، التي كانت عوائدها فيما قبل أزمة كورونا لا تتجاوز 1 في المائة سنويا.
أثناء الأزمات يلجأ المستثمرون إلى صناديق أسواق النقد كوسيلة للتريث بعض الوقت وانتظار زوال الضبابية عن الأسواق، وفي العام الماضي تزامن ذلك مع ارتفاع معدلات الفائدة فلجأ كثير من المستثمرين إلى هذه الصناديق مباشرة أو أنهم توجهوا إلى وسائل أسواق النقد مباشرة عن طريق المصارف، من خلال الودائع والمرابحات.
صناديق أسواق النقد هي صناديق تتعامل بأدوات مالية قصيرة الأجل، تشمل المتاجرة من خلال أساليب المرابحة والوكالة والمضاربة والمشاركة والتعامل بأدوات الدخل الثابت، كالصكوك والسندات الحكومية والتجارية، إلى جانب استخدامها أساليب تمويلية متنوعة تشمل التعامل باتفاقيات إعادة الشراء العادية (الريبو) والعكسية (الريبو العكسية). وجميع صناديق أسواق النقد من النوع المفتوح وتتميز في كونها تحافظ على رأس المال وتعين العميل في إدارة السيولة المتوافرة لديه.
هذه الصناديق مفتوحة، وليست مغلقة كما في بعض الصناديق الأخرى، وهذا يعد أبرز أسباب جاذبيتها لكونها تسمح للعميل بسحب أمواله في أي وقت من الأوقات، وهو الأمر الذي يصعب القيام به في حال الاستثمار في ودائع مصرفية مرتبطة بمدة معينة. لكن المرونة هذه بحد ذاتها تشكل مخاطر مالية على مدير الصندوق في حال قرر عدد كبير من العملاء استرداد وحداتهم في وقت واحد. لذا تحاول إدارة الصندوق ضخ ما لديها من أموال في أدوات قصيرة الأجل وعالية السيولة، تفاديا لتكبد خسائر كبيرة في حال خروج العملاء من الصندوق. وللسبب نفسه نجد أن معظم هذه الصناديق تستند في تقييم أدائها إلى مرجعيات سعرية قصيرة الأجل، كمعدل سايبور لثلاثة أشهر أو لشهر واحد، وهو المعدل الذي يقيس مستويات أسعار الفائدة بين البنوك السعودية.
التطورات التي حصلت في الفترة الماضية كانت إيجابية في جانب ارتفاع ربحية كثير من صناديق أسواق النقد نتيجة ارتفاع معدلات الفائدة، لكن من جهة أخرى كانت سلبية بسبب خروج بعض العملاء بحثا عن عوائد أفضل في وسائل أخرى، وسلبية كذلك في انخفاض قيم الأصول القديمة التي كانت معرضة لانخفاض أسعارها. فمع ارتفاع معدلات الفائدة في 2022 أصبحت لدى المستثمرين وسائل أخرى منافسة لصناديق أسواق النقد، كالصكوك المصدرة من قبل بعض الشركات والمؤسسات المالية، فأدى ذلك إلى تراجع في أصول بعض الصناديق، التي انخفضت أصولها بأكثر من 50 في المائة. من جهة أخرى أدى ارتفاع معدلات الفائدة إلى انخفاض أسعار الأصول التي تستثمر فيها الصناديق، وبالتالي أدى ذلك إلى انخفاض قيمة الأصول، أي أن انخفاض الأصول له سببان، خروج بعض العملاء وانخفاض أسعار بعض الصكوك والسندات.
التحديات التي تواجه صناديق أسواق النقد في الولايات المتحدة تشمل مخاوف ارتفاع معدلات الفائدة، لما قد يحدثه ذلك من أضرار للصناديق التي لديها أدوات دين نسبيا طويلة المدى، من جهة أخرى هناك مخاوف من البلبلة المصاحبة لعدم قدرة الحكومة الفيدرالية على تجاوز سقف الدين المقر من قبل الكونجرس الأمريكي. الإشكالية هنا أن ذلك قد يؤدي إلى تخوف بعض العملاء من ملاءة الحكومة الأمريكية وبالتالي الخروج الجماعي من أسواق النقد التي تستثمر في أدوات الدين الحكومية.
في نهاية المطاف، أسواق النقد تعد من أهم الوسائل المتاحة لكبار المستثمرين والشركات التي لديها فوائض نقدية على المدى القصير وتبحث عن أدوات استثمارية أو أدوات مصرفية لركن السيولة لفترات قصيرة، مع قبولها بعوائد متدنية مقابل عدم الوقوع في أي مخاطر ائتمانية ومع إمكانية البيع بشكل سريع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي