ازدهار السفر يعين شركات الطيران على كآبة الاقتصاد
بعد ثلاثة أعوام من الصدمات، بما فيها جائحة فيروس كورونا وارتفاع أسعار الوقود في أعقاب الحرب الروسية - الأوكرانية، يواجه رؤساء شركات الطيران أمرا محيرا، لكن مرحبا به: لماذا يزدهر الطلب حتى مع تصاعد المخاوف بشأن اشتداد التراجع الاقتصادي؟
أصبحت شركة إيزي جيت البريطانية الثلاثاء أحدث شركة طيران تتنبأ بصيف قوي، رافعة توقعاتها للأرباح للمرة الثانية هذا العام، متفاخرة ليس فقط بمبيعات قوية بل أيضا باستعداد الركاب لدفع أسعار عالية.
أبلغت شركات أوروبية منافسة عن اتجاهات مماثلة، عاد عديد منها بالفعل إلى تحقيق الأرباح على الرغم من ارتفاع التضخم والرياح الاقتصادية المعاكسة.
رجح مايكل أوليري، الرئيس التنفيذي لشركة رايان إير، أن ارتفاعا متوقعا في أسعار تذاكر الطيران يصل إلى 15 في المائة هذا الصيف لن يؤثر في الحجوزات.
أرجع مسؤولون تنفيذيون في الصناعة المرونة في الطلب إلى رغبة الناس في العودة إلى الحياة الطبيعية واستئناف السفر بعد قيود الجائحة.
بحسب يوهان لوندجرين، الرئيس التنفيذي لشركة إيزي جيت، أصبح من الواضح بازدياد هذا العام أن المستهلكين يعطون الأولوية للسفر بعد أن عاقت قيود الحدود وقوانين فحص كوفيد السياحة بين 2020 و2022.
قال "نرى زخما قويا للحجوزات التي يحركها العملاء (...) قالت أبحاث المستهلك لفترة إن أهمية السفر ارتفعت في إنفاق المستهلكين وهذا يتجلى بوضوح في حجوزاتنا"، مشيرا إلى بحث حديث أجرته لجنة السفر الأوروبية، وهي جمعية للصناعة، وجد أن السفر هو النفقات التقديرية الوحيدة التي كان الناس على استعداد لمواصلة دفعها على الرغم من الظروف الاقتصادية.
توصل استطلاع أجرته "كيه بي إم جي" للمستهلكين في المملكة المتحدة في كانون الأول (ديسمبر) إلى نتيجة مماثلة، مع ترقية السفر إلى المركز الأول للإنفاق غير الضروري خلال الـ12 شهرا المقبلة.
أمبروز فولكس، المدير المشارك لصندوق أرتميس يو كيه سيليكت في "أرتميس إنفستمنت مانجمنت"، الذي يحمل أسهما في "إيزي جيت" و"إنترناشونال إيرلاينز جروب" و"رايان إير"، أرجع مرونة الصناعة إلى "الطلب المكبوت، إلى جانب المدخرات الزائدة الكبيرة بعد كوفيد، إضافة إلى الغياب الطويل عن زيارة الأصدقاء والأقارب، والطلب على الأعمال".
قال لوندجرين "إن الزيادات الأخيرة في الأسعار يجب أن تؤخذ أيضا في سياقها. ارتفاع 31 في المائة في أسعار التذاكر في الربع الأخير من (إيزي جيت) بلغ في المتوسط نحو 12 جنيها استرلينيا، أي ما يعادل تكلفة كوبين من القهوة ووجبة خفيفة في المطار"، مضيفا أن "الزيادة ليست ضخمة بالأرقام المطلقة مقارنة ببعض الزيادات الأخرى في التكاليف في المجتمع".
ارتفاع الأسعار في الصيف، حين تكلف التذاكر عادة أكثر بكثير، سيكون أكثر أهمية للمستهلكين، حيث تبلغ تكلفة متوسط رحلة "إيزي جيت" 90 جنيها استرلينيا للتذكرة في اتجاه واحد.
قال جريج جونسون، محلل السفر والترفيه في "شور كابيتال"، "على الرغم من أزمات السيولة في أماكن أخرى، ما دام لدينا طاقم موظفين كامل وأمن وظيفي، فإن الناس على استعداد لإنفاق مدخراتهم ومنح أنفسهم عطلة. السؤال الذي يطرح نفسه العام المقبل هو، هل يمكن الحفاظ على مستوى الطلب عند مستويات الأسعار الحالية؟".
مع عدم وجود علامات على تثبيط حماس المستهلكين حتى الآن، دفع انتعاش القطاع بن سميث، الرئيس التنفيذي لشركة إير فرانس - كيه إل إم، إلى الإعلان هذا العام أن شركة الطيران "طوت صفحة كوفيد".
على الرغم من الطلب القوي، تجد الشركات صعوبة أكبر في إقناع المستثمرين بدعم تعافيها بالكامل. لا تزال الأسهم في عديد من شركات الطيران الكبرى في أوروبا أقل بكثير من مستويات ما قبل الجائحة، على الرغم من الانتعاش القوي الأخير.
حتى قبل الحرب الروسية - الأوكرانية، وصف وارن بافيت شركات الطيران بأنها "فخ الموت للمستثمرين"، حيث ترتبط ثروات الشركات ارتباطا وثيقا بالدورة الاقتصادية العالمية وتتعرض للصدمات الخارجية، من الكوارث الطبيعية إلى التقلبات في أسعار النفط. باع المستثمر الأمريكي جميع حيازاته في شركات الطيران في أيار (مايو) 2020، معلنا أن "العالم قد تغير" بعد كوفيد.
يعترف تنفيذيون في الصناعة بأن على الشركات بذل مزيد لإقناع المستثمرين المتقلبين بالعودة، خاصة بعد انتعاش الصيف الماضي الذي شابه اضطراب السفر.
قال محللون ومستثمرون "إن المخاوف التي تخيم على القطاع تشمل ما إذا كانت الصناعة يمكن أن تظل محصنة ضد الخلفية الاقتصادية إلى الأبد، وكذلك المسار المستقبلي لأسعار النفط والشواغل البيئية المتزايدة، بما فيها ضرائب الكربون".
قال أندرو لوبنبرج، المحلل في "باركليز"، "تحركات الأسهم الأخيرة تخبرك بأن هناك ثقة عقلانية في أن التداول الصيفي سيكون صحيا. لكن بالنظر إلى ما هو أشمل من ذلك، فإن المستثمرين قلقون بالتأكيد بشأن تطورات الاقتصاد الكلي (...)وغير متأكدين من وتيرة تعافي رحلات العمل".
كما خرجت الصناعة من الجائحة بعبء ديون كبير، ما فتح نقاشا حول إذا ما كانت شركات الطيران ستضطر إلى اللجوء إلى المستثمرين لجذب مزيد من رأس المال.
مع ذلك، يعتقد التنفيذيون في شركات الطيران الأوروبية ومديرو الصناديق الذين دعموا الصناعة أن اللاعبين الرائدين فيها عادوا إلى الظهور أقوى. يقولون "إن الشركات لديها الآن تكاليف أقل بعد خفضها التكاليف، ما يجعلها مستعدة لتحقيق الربح من الطلب المتزايد وموسم الصيف الحاسم مع منافسة أقل بعد أن تراجعت شركات الطيران الضعيفة أو انهارت".
كما أن القيود المفروضة على سلسلة التوريد بما فيها نقص الطائرات تعني أنه من الصعب على المنضمين الجدد تغيير السوق، أو اندفاع الشركات الحالية إلى توفير إمدادات جديدة من المقاعد تؤدي إلى انهيار الأسعار.
كريس ديفيز، مدير الاستثمار في "بيلي جيفورد"، وهي ثالث أكبر مستثمر في "رايان إير" وتحمل أسهمها لأكثر من عقد، احتفظ بأسهمه حتى خلال أكثر أيام الجائحة كآبة، موقنا بأن شركة الطيران ستزدهر.
قال "بالنسبة إلينا، كان الاحتفاظ بأسهم (رايان إير) خلال الجائحة يتعلق إلى حد كبير بقدرتها على الحصول على حصة أكبر بكثير في السوق لأنهم كانوا سيتجاوزونها، كانت شركات أخرى ستكافح وتخرج من المحنة في حالة أسوأ بكثير".
تقود "رايان إير"، أكبر شركة طيران في أوروبا، الآن انتعاش الصناعة، لكن أسهمها أقل 10 في المائة من مستويات ما قبل الجائحة على الرغم من مكاسب الحصة السوقية التي تستهدفها.
قال ديفيز "ما زلنا نعتقد أن هناك عدم تطابق كبير هنا بين الفرصة المتاحة أمامها وقدرتها على استغلالها وحالة السوق اليوم".