رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


إصلاح أم إعادة صياغة؟

معظم الأسئلة التي تطرح وتدور حول كفاءة النظام المالي العالمي الذي يستند إلى مؤسستي تمويل عالميتين، قديمة، وتجدد وتكرر من فترة إلى أخرى دائما، وذلك في ظل تطورات أظهرت أن كلا من صندوق النقد والبنك الدوليين، لم يقوما بما يكفي من نشاط وتحركات لمواجهة المصاعب المالية على الساحة العالمية ككل، ولا سيما في الدول الفقيرة، وتلك التي توصف بالأشد فقرا.
وهاتان المؤسستان اللتان أسستا كنتيجة اقتصادية لنهاية الحرب العالمية الثانية، لم تنكرا الثغرات فيهما، الأمر الذي رفع من حدة الشكوك حولهما بقيادة النظام المالي العالمي، الذي يتعرض أساسا إلى مصاعب جمة. وزاد زخم الأسئلة في أعقاب نشوب الحرب في أوكرانيا قبل أكثر من عام، حيث يجب على الدول الداعمة لهذا البلد في حربه مع روسيا، أن توفر الدعم بعيدا عن المؤسستين العالميتين.
والمشكلة تتعمق أكثر، عندما أدت تبعات جائحة كورونا والموجة التضخمية العالمية الهائلة، إلى مزيد من التضييق على الدول النامية من ناحية ديونها المتراكمة. فالدول الأكثر تمويلا للبنك وصندوق النقد الدوليين، تعي أن هذه الديون لا تفاقم الأزمات المالية فحسب، بل تسهم بصور غير مباشرة في نشر الاضطرابات والمشكلات هنا وهناك. ولأن الأمر كذلك، تحركت المملكة العربية السعودية عندما كانت تترأس "مجموعة العشرين" خلال أزمة كورونا، من أجل تخفيف أعباء الديون عن كاهل الدول النامية، ونجحت بالفعل عبر إعادة جدولة بعض هذه الديون من قبل الدول الدائنة، حتى إلغاء بعض الدول جانبا من هذه الديون. كان تحركا في الوقت المناسب، وفي زمن ليس حرجا فحسب، بل كارثي على البشرية كلها.
ونلاحظ أن الأزمات المتلاحقة التي يشهدها العالم، أثبتت أيضا حقيقة أن البنك وصندوق النقد الدوليين، عليهما التحرك بفاعلية أكثر من أجل مساعدة هذه الدول، فالموجة التضخمية "مثلا" دفعت البنوك المركزية، ولا سيما في الولايات المتحدة، إلى رفع متواصل للفائدة، الأمر الذي زاد من أعباء ديون الدول النامية، على اعتبار أنها في معظمها مقومة بالدولار الذي بلغت قيمته مستويات قياسية في الآونة الأخيرة، أي إن الأعباء لم تأت من جائحة، ولا حتى من اضطرابات جيوسياسية، بل من سياسات الفائدة المتداولة في الوقت الراهن. وقبل أيام أطلق صندوق النقد نداء إلى الدول الدائنة، بالعمل على تخفيفها. ويعترف البنك الدولي من خلال رئيسه المنتهية ولايته ديفيد مالباس، بأن عملية إعادة جدولة الديون تمضي ببطء شديد.
لكن المشكلة لا تكمن فقط في التحرك البطيء هذا، بل لم يجر حقيقة ما يكفي من نقاش حول سبل التحرك نحو خفض الديون إلى مستويات يمكن تحملها. هذه النقطة خصوصا، رفعت من حجم التساؤلات حول جدوى المؤسسات المعنية بالديون الدولية، وعلى رأسها بالطبع البنك وصندوق النقد الدوليان. فقد توقع العالم أن يكون لهاتين المؤسستين دور ليس محوريا فحسب، بل سريع أيضا لاحتواء التداعيات المالية العالمية الراهنة. حتى إن البعض سخر علنا، بأنهما تتهربان من معالجة مسألة الديون، وتركزان على قضايا المناخ وأخرى هامشية، لكن المشكلة الأكبر، تبقى في إمكانية أن تواجه هاتان المؤسستان مخاطر الانهيار، بسبب تعثرهما في الحفاظ على ما اتفق على توصيفه بـ"العهد" في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
الأسئلة ستتواصل حول البنك وصندوق النقد الدوليين أعواما عديدة أخرى، إذا لم يتوصلا إلى منهج جديد يناسب التطورات العالمية الراهنة، بما في ذلك أسئلة حول عدالتهما في معالجة القضايا الملحة، وغيرها من ثغرات موجودة فعلا ضمن هيكليتهما. والسؤال الأهم، يبقى هو: هل هناك مجال للإصلاح أم إن الضرورة تفرض إعادة صياغة جديدة للنظام المالي العالمي ككل؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي