صناعة الطاقة وحقبة من عدم اليقين
تكررت في وسائل الإعلام المختلفة مقولة "عدم اليقين" منذ جائحة كورونا، خصوصا من قبل أصحاب الاقتصاد والسياسة والطاقة، وكانت شماعة لكثير من المفاجآت الاقتصادية والجيوسياسية. ويشير عدم اليقين إلى حالات أو مواقف تتضمن معلومات مجهولة أو غير واضحة المعالم، وفي الأغلب ما نلحظها في التنبؤات بالأحداث المستقبلية أو القياسات المادية على المجهول. ووفقا لمقالة سابقة نشرت في "هارفارد بيزنس ريفيو" فقد ذكرت ما يلي، "إنه لأسلوب مبتذل أن نقول إن العالم أصبح غير مؤكد أكثر من أي وقت مضى، لكن القليل منهم يدركون مدى زيادة عدم اليقين خلال الـ50 عاما الماضية".
تنتج حالة عدم اليقين نظير امتلاك معرفة محدودة عن حدث ما، ما يصعب التحكم في نتيجة مستقبلية أو التخطيط لها أو التنبؤ بها. إن هذه المعرفة المحدودة، التي أوجدت حالة عدم اليقين، تصدر من المعلومات المفقودة أو غير الموثوقة أو المتضاربة، ويعزى السبب إلى الجهل أو عنصر المفاجأة. وعادة ما نرى دراسات عدم اليقين في عديد من المجالات، بما في ذلك الطاقة والكهرباء والمياه والاقتصاد والتمويل والتأمين وعلوم النفس والاجتماع والأرصاد الجوية والبيئة. وبمجرد أن يلاحظ الباحث تباينا في المدخلات أو عدم التأكد من المستقبل أو ضعف تحليل المخاطر، يرفع عندئذ علم عدم اليقين، ولذلك يهدف تحليل عدم اليقين إلى تحديد مدى تباين المخرجات بسبب تباين المدخلات.
وفي الأعمال وعالم التجارة، يشير عدم اليقين إلى المواقف التي تواجه فيها الشركات مخاطر لا يمكن توقعها أو قياسها، وقد يكون من الصعب على الشركات التنبؤ بأدائها بسبب أحداث غير مسبوقة أو متغيرة بشكل مطرد. وذكرت "هارفارد بيزنس ريفيو" في إحدى مقالاتها، أن عدم اليقين لا يؤثر في جميع الصناعات بالطريقة نفسها، لوجود نوعين أساسيين من عدم اليقين هما: عدم اليقين في الطلب "هل سيشتري العملاء المنتج؟" وعدم اليقين في التقنية "هل يمكن تقديم حل مرغوب فيه؟"، وأن مدى عدم اليقين الذي تواجهه الصناعة يعتمد على التفاعل بين الاثنين. وخلصت المقالة إلى أن صناعات البرمجيات والأجهزة الطبية والحواسيب والمنتجات الدوائية والإلكترونية ذات عدم يقين عال، بينما صناعات المرافق ومنتجات التدخين والمعادن النادرة والعقار ذات عدم يقين منخفض.
دعونا نتحدث عن أحد أمثلة عدم اليقين في صناعة الطاقة، حيث تلاشى أكثر من 300 مليار دولار من رؤوس أموال المستثمرين في سوق النفط من 2009 إلى 2019. ولم يخطر في بال أي مستثمر حالة من عدم اليقين وشح المعلومات عن المستقبل أو تضاربها أو حتى عنصر المفاجأة الذي حدث في 2020. لقد اتسعت الفجوة بين أعلى وأدنى سيناريوهات التنبؤ بالطلب على النفط في 2050 إلى حجم أكبر من سوق النفط بأكملها، وفقا لتقرير منتدى الطاقة العالمي.
ومنذ جائحة كورورنا، تتباعد التوقعات العالمية بشكل أكثر حدة عن حقائق السوق الحالية، تحت ضغوط كثيرة ومنها التغير المناخي ومدى سهولة الوصول إلى مصادر الطاقة وزيادة الأسعار والتقلبات في أسواق الطاقة العالمية. ولو تابعنا السيناريوهات أو التوقعات للطلب على الطاقة والكهرباء، مدفوعا بالعلاقة التاريخية مع النمو الاقتصادي، لوجدنا تباينا شديدا أو حالة عدم يقين بين السيناريوهات العالية والمنخفضة، ما يوجد شكوكا لدى المستثمرين والشركات التي يجب أن تتخذ قرارات مصيرية. وتزداد حدة عدم اليقين كلما كانت السيناريوهات أو التوقعات بعيدة المدى "أعلى من عشرة أعوام". وعليه، يتطلب النجاح وملامسة الواقع فهما أعمق وإحاطة أشمل لمقدار عدم اليقين الذي تواجهه الصناعة المعنية والقدرة على إدارة حالات عدم اليقين بطرق جديدة وأساليب حديثة.