سر تفوق الحيوانات
في هذه الفترة من العام تكثر الحشرات، وعلى صغر حجمها وضعف قوتها "تنكد عليك عيشك". تمضي وقتا طويلا في الجري خلف ذبابة أو بعوضة للقضاء عليها، لكن تجدها تسبقك رغم كل الحيل التي تستخدمها إذا علمنا أن المبيدات الحشرية لم تعد تؤدي دورها كما يجب، وقد تتساءل ما السر الذي يجعلها تسبقك بخطوة دائما؟!
السر يكمن في الوقت، فشعورها بالوقت يختلف عن البشر تماما أي أن الوقت ليس هو نفسه بالنسبة إلى الجميع، حيث إن كل نوع من الحيوانات له مقياس مختلف في شعوره بمرور الوقت، في دراسة نشرت في مجلة "سلوك الحيوان" بينت أن حجم الجسم ومعدل عمليات تحويل الغذاء إلى طاقة، هو ما يحدد الفروقات بين الحيوانات في إدراك الوقت.
وعملية إدراك الوقت تعتمد بشكل رئيس على سرعة معالجة الجهاز العصبي للمعلومة الواردة إليه، ولاختبار هذه القدرة قام باحثون بعرض ضوء متقطع يومض بسرعة معينة على الحيوانات حتى يصل إلى سرعة يراه الحيوان كضوء ثابت بلا وميض. وشملت التجربة أكثر من 30 نوعا مختلفا من الحيوانات، منها القوارض والحمام والسحالي والكلاب والقطط والسلاحف البحرية، ووجدوا أن الحيوانات التي ميزت الوميض عند الترددات العالية كانت هي الأقدر على إدراك الوقت بشكل أبطأ وأكثر دقة، بمعنى أن الأحداث والحركات تتجلى لها بشكل أبطأ من غيرها، فالذبابة مثلا لديها القدرة على مراقبة الحركة بشكل أدق مما تدركه أعيننا وهذا يشبه حركة الكرة في مسلسل الكرتون، ماجد وفيلم الخيال العلمي "المصفوفة" الذي تمكن فيه البطل من تفادي الرصاصة المقبلة إليه بأقصى سرعتها وكأنه يراها بالحركة البطيئة!
وافترض العلماء أن قدرة الحيوان على إبصار المناظر بتردد عالي "حركة أبطأ"، يلائم الأنواع التي تحتاج إلى ردة فعل أسرع من مفترسها أو فريستها. تلك الأنواع من الحيوانات في الأغلب ما تكون خفيفة الوزن، صغيرة الحجم وذات عمليات حرق سريعة، وهذه الفروقات بين المخلوقات لم توجد عبثا بل يتجلى فيها إعجاز الخلق وعظمة الخالق، حيث يحكمها تفاعل تلك المخلوقات مع محيطها الذي يجمع بين إدراك الوقت وفسيولوجيا الجسم وكتلته. فإدراك الوقت بتفاصيله الصغيرة كالثانية وأجزائها أساسي في حياة طير جارح، لكنه إضاعة لطاقة الجسم على حيوان مثل الحوت الذي لا يحتاج إلى تلك الدقة في بيئته. لذلك فاليوم بالنسبة إلى البعوض أو الذباب ليس 24 ساعة فقط، بل زمن طويل مجزأ إلى آلاف الثواني لأنها تدرك أجزاء أقل من الثانية.