الطاقة الشمسية .. ركيزة الوعي

ذكرت سابقا، أن ملف تحول الطاقة يعد من أهم الملفات العالمية ومن أكثرها تداولا، ويختلف التعاطي معها من دولة إلى أخرى، حيث إنه من غير الموضوعية أن يتم وضع وصفة موحدة لتحول الطاقة ونعتقد أنها ملائمة لجميع الدول! إمكانات الدول تختلف، فلكل دولة ظروفها الخاصة في شتى النواحي الاقتصادية والتقنية والبيئية والسياسية، ولذلك وضحت أن تحول الطاقة ليس طريقا ممهدا، بل رحلة طويلة وشاقة لا تحفها الورود، ويجب التعاطي مع هذا الملف بموضوعية وحكمة وتكامل بين جميع مصادر الطاقة دون استثناء.
النمو السكاني العالمي والصناعي متسارع جدا، ما يعني أن الخطر الحقيقي في المستقبل المتوسط والبعيد هو شح الطاقة، وعدم القدرة على تلبية حاجة العالم المتعطش إلى حياة أكثر مدنية وتطورا. هذا الخطر المتوقع دفع بعض الجهات المختصة وبيوت الخبرة التي يعتد بمخرجاتها إلى التحذير من ضعف الاستثمار في التنقيب عن النفط والغاز، والتحذير من تقويض صناعته بذريعة حماية البيئة، ذلك سينعكس سلبا على الإمدادات النفطية مستقبلا حتى مع التوجه العالمي لرفع الطاقة الإنتاجية من الطاقة المتجددة بأنواعها المختلفة، الشمسية والرياح وغير المتجددة، كالطاقة النووية وغيرها.
بدا جليا أن المعادلة قد تغيرت، وأن الدراسات الاستشرافية تحتاج إلى تمحيص ومواكبة لهذه المتغيرات المتسارعة، لاتخاذ قرارات استراتيجية صحيحة. الطاقة الشمسية أحد أهم مصادر الطاقة المتجددة التي تشهد حراكا متسارعا على مستوى العالم، وتطورت تقنياتها تطورا لافتا في العقد الأخير ما انعكس على تكلفة إنتاجها، وجدواها الاقتصادية بطبيعة الحال. هناك من يتعاطى بمبالغة عجيبة حول دور ومستقبل الطاقة الشمسية على المديين القصير والمتوسط نكاية بالوقود الأحفوري عموما، والنفط خصوصا. في المقابل، هناك من يقلل من شأنها ويسعى جاهدا إلى تهميشها بمبالغة عجيبة أيضا انتصارا للنفط، في اعتقادي، أن العلاقة بين مصادر الطاقة لا تقوم على معادلة صفرية، بل تقوم على مبدأ التكامل والمنفعة الناتجة عن هذا التكامل.
هناك من يعي هذه الحقيقة، ويؤمن بهذه العلاقة التكاملية، بل بدأوا منذ أعوام بخطوات عملية مبنية على استشراف واقعي لمستقبل الطاقة في العالم، وأهمية تنويع مصادره. السعودية كعادتها دائما رائدة وفي طليعة من يعملون باحترافية وموضوعية نحو إمدادات مستقرة وموثوقة للطاقة محليا وعالميا. تهدف السعودية -بإذن الله تعالى- إلى إنتاج ما يقارب 200 جيجاواط من الطاقة الشمسية بحلول 2030، والمتوقع أن تصل تكلفته إلى 200 مليار دولار.
هذا المشروع الطموح يعد الأضخم في العالم بلا منازع، ويخفض فاتورة إنتاج الكهرباء بنحو 40 مليار دولار. من أهداف هذا المشروع أيضا، تقليل تكلفة إنتاج الطاقة الشمسية، حيث ستستخدم هذه الطاقة بشكل رئيس في تحلية المياه والزراعة، وسيصدر الفائض منها، ما يدعم "الرؤية" في تنويع مصادر الدخل. في رأيي، أن من أهم ركائز نجاح قطاع الطاقة الشمسية وصناعتها هو "الوعي" الذي يشمل الوعي بدورها الحقيقي في منظومة تحول الطاقة العالمي، وأنها طاقة مكملة وليست بديلة ستقصي مصادر الطاقة الأخرى. الوعي بأهميتها ودورها يجب أن يمتد كذلك إلى المستهلكين، سواء كانوا أفرادا أو مؤسسات، حيث إن الوعي بحقيقتها وإيجابياتها وجدواها الاقتصادية دون مبالغة سيضفي إلى هذا القطاع موثوقية وسيعزز نموه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي