صحة المرأة .. "اسأل مُجرب ولا تسأل طبيب"

صحة المرأة .. "اسأل مُجرب ولا تسأل طبيب"

في الصفحات الأولى من كتاب الفتيات الصالحات، تسرد هادلي فريمان الـ75 نظرية التي طورها الأطباء والمعالجون وأناس من غير المختصين عن سبب معاناتها من فقدان الشهية حين كانت مراهقة. وكانت النظرية الأولى على القائمة، ولادتها بعملية قيصرية، التي ادعى طبيب نفسي أنها تعني "محاولتها الدائمة للبحث عن طريق سهل للخروج".
إن عديدا من الفرضيات الأخرى تتعارض فيما بينها، أن والديها منحاها القليل جدا أو أكثر من اللازم، أو أنها كانت ذكية للغاية، أو لم تكن ذكية بما يكفي في مدرستها. ثم تنهي تلك القائمة بسؤال تتطرق إليه في الكتاب كله، "كيف تحل مشكلة كمشكلة فتاة مراهقة غير سعيدة؟".
في كتاب الفتيات الصالحات، تكشف الصحافية مؤلفة مذكرات عن عائلتها، العوامل التي أسهمت في اضطراب الأكل بأسلوب تدريجي. ومن خلال نسج قصتها الشخصية، والمحادثات التي أجرتها مع زملائها ممن يعانين فقدان الشهية والمقابلات مع الخبراء، تظهر الكاتبة الظروف البيولوجية والاجتماعية المعقدة التي تمهد الطريق لهذا "المرض المحير".
ترفض فريمان النظريات التبسيطية التي تضع اللوم بفقدان الشهية على هوس النحافة التي في مجلات الموضة أو على وسائل التواصل الاجتماعي، وتؤكد أن الاضطراب لا يتعلق بالطعام. في الواقع، إذا نظرنا وراء في التاريخ للنساء اللواتي لقين حتفهن بسبب جوعهن، كما تقول، فإن فقدان الشهية هو "مرض مطرد بشكل مذهل في رسالته وتعبيره".
إنه، كما تكتب "يدور حول الخوف من الجنسنة (يقيم الأفراد من حيث مميزاتهم البدنية وجاذبيتهم الجنسية) والخوف من النسوية، إنه يتعلق بالحزن والغضب والاعتقاد بأنه لا يسمح لك بأن تكوني حزينة وغاضبة لأنه من المفترض أن تكوني مثالية، ويتعلق الأمر بالشعور بالإرهاق التام من قبل العالم، لذا، تقومين بايجاد عالم جديد أصغر بقاعدة واحدة سهلة الفهم، لا تأكلي".
تطور الفتيات اللاتي يعانين فقدان الشهية هذا الاضطراب في سن البلوغ، وفي الأغلب ما يخشين مما ستؤول إليه أجسادهن والتضحيات التي يتوقعها المجتمع منهن الآن. وتستطيع بعض الفتيات أن يرفضن هذه الأفكار والمثل، لكن فريمان تصف نفسها بأنها "ملتزمة قليلا" لدرجة أنها لم تقدر على فعل ذلك.
تمكنت فريمان من تحويل هذه الحكاية المأساوية والمرهقة إلى قصة آسرة، وتصوير تجربة يجد كثيرون صعوبة في فهمها. وتصف قيامها بعديد من الأنشطة البدنية لدرجة أنها هزت أسس منزل عائلتها، وأحضرت معها الكاميرا إلى المستشفى لتسجيل لقطات مقربة "لأوتارها العضلية المشدودة جدا". قد يكون من المؤلم قراءة الكلمات في مذكراتها، مثل عندما تشعر بالعزاء لتضميد ظهرها الهزيل في المستشفى، في إشارة إلى أنه على الرغم من البرنامج الذي تم وضعه لجعلها تتناول الطعام، فإنها "لا تزال نحيلة في مكان ما من جسدها".
أمضت معظم وقتها من سن 14 إلى 17 عاما في المستشفيات، حيث كان الأطباء يميلون إلى التركيز على الرقم الذي يظهره الميزان بدلا من التركيز على شعورها. في حين أن الدافع لفقدان الشهية، كما وصفته، "غالبا ما يكون نسويا عن غير قصد"، من خلال رفض الجنسنة التي يتوقعها المجتمع الذكوري من النساء، فإن آثار المرض "مناهضة للنسوية"، وهي اختزال المرأة "إلى حالة من العجز، وتدمير الذات، والطفولة".
وهو يتضمن منح بعض الأطباء والممرضات سلطة غير ملائمة على المرضى الذين تكون أغلبيتهم من الإناث. وفي وقت لاحق، تم طرد طبيبها الأول. لم تتعرض فريمان لسوء المعاملة على يديه، لكنها تضع اللوم في إهماله على إضاعة فرصة حيوية للتدخل في المراحل المبكرة من المرض. وفي النهاية، بمساعدة معالجة أنثى، تحسنت حالتها لدرجة تسمح بخروجها من المستشفى. ومع ذلك، لم يكن هناك شفاء معجزة، حيث استمرت في المعاناة من حالة صحية عقلية أخرى، وهي سلوك الوسواس القهري.
يقدم كتاب الفتيات الصالحات وجهة نظر المريض عن المرض الذي في الأغلب ما يسيء للمجتمع، وحتى العلم فهمه، كما تشهد القائمة التي كتبتها فريمان للفرضيات البلهاء التي وضعتها مهنة الطب. لكنها تمضي قليلا من الوقت تشرح فيه سبب فهمنا البيولوجي غير الكامل له. إن فقدان الشهية هو أخطر اضطراب نفسي - ومع ذلك لا توجد أدوية معتمدة له.
يندرج ذلك في سياق أكبر يدور حول قلة الاستثمار في فهم صحة المرأة، وهو موضوع تتناوله عالمة الاجتماع ماريكي بيج مباشرة في كتاب هذا لن يؤذي، كيف يخذل الطب النساء. حيث توجه انتقادا لاذعا للخبراء في الطب والعلم لعدم الاستماع للنساء حول مشكلاتهن وتطوير العلاجات لها.
وبالبناء على العمل الذي أنجزته كارولين كريادو بيريز في كتابها الأكثر مبيعا، حول كيف تكافح النساء للعيش في عالم مصمم للرجال، تنتقد بيج "نظرة علم الأحياء المجزوءة"، التي تفترض أن الاختلاف الوحيد بين الجنسين هو الأعضاء التناسلية. حيث قالت بسخرية جامدة، " بقدر ما يتعلق الأمر بالطب، تبدأ حياة المرأة عندما تبدأ دورتها الشهرية وتنتهي عندما تلد".
في بعض الحالات، يكون التأثير واضحا. حيث تشير الدراسات إلى أن النساء أكثر عرضة بنسبة 59 في المائة لتلقي تشخيص خاطئ عند بداية حدوث نوبة قلبية لهن، حيث من الواضح أن الأطباء يعرفون عن الأعراض لدى الذكور أكثر منها لدى الإناث. وربما هناك عديد من الأمثلة التي لم نكشف عنها بعد. إذ إنه من الصعب تأليف كتاب عن مسألة يجري الناس بحوثا حولها.
حتى في علم الأحياء التناسلي، تجادل بيج بأن صحة المرأة تعاني نقصا في التمويل. فأقل من 2.1 في المائة من البحوث الممولة من القطاع العام مخصصة فقط للصحة الإنجابية للمرأة. وتذهب بيج للمقارنة على نحو كبير بين التهاب بطانة الرحم، وهي حالة مؤلمة تنمو فيها أنسجة تشبه بطانة الرحم في أماكن أخرى، وبين مرض السكري. حيث يؤثر كلا المرضين في واحدة من كل عشر نساء ويؤثران بشكل خطير في نوعية الحياة، لكن التمويل الممنوح لمرض السكري يزيد عنه بمقدار 20 ضعفا.
كتاب (هذا لن يؤذي) يظهر أفضل مثال عندما تفرض هذه التفاوتات في المنزل، لكنه أقل وضوحا عندما تحاول بيج وصف تجربتها الخاصة بشعورها أن المؤسسة الطبية أساءت فهمها. فهي لا تثق بالأطباء - ربما عن حق - لكنها غامضة بشأن ما إذا كان طبيبها قد ارتكب أخطاء طبية وليس في الجوانب العاطفية.
إن الطب ليس خيالا، لكن تاريخ سيطرة الرجال على العلم وتمويله يعني أن هناك فجوات كبيرة في فهمنا لبيولوجيا الإناث. ومقارنة بـالمجالات الأخرى، كان العلم بطيئا في التطرق لهذه التفاوتات، ويمكن أن يستغرق الاكتشاف العلمي عقودا.
لكن الاستثمار في البحث في صحة المرأة سيكون أسهل من معالجة الأسباب الاجتماعية الخبيثة للاضطرابات مثل اضطراب فقدان الشهية. وتنهي فريمان كتابها بسرد أمنياتها، التي من بينها أن نخبر الفتيات أن أجسادهن ليست بالمظهر الخارجي لمن يكون، وأنه ليس عليهن أن يجعلن أنفسهن صغيرات في سبيل التحدث، وأن هناك طرقا لا نهاية لها ليكن فتيات. تبدو القائمة بسيطة، لكن على الرغم من التحولات الضخمة نحو المساواة بين الجنسين في الـ50 عاما الماضية، لا يزال المجتمع يثقل كاهل النساء بالتوقعات التي تجعل بعضهن شديدات الرغبة بالفرار.

الأكثر قراءة