تحديات الدلال في عالم الأعمال
تزداد تحديات الحياة صعوبة على الطفل المدلل الذي يعيش طفولة منغلقة ومرفهة. لو تغيرت ظروفه بشكل سريع -مثل الاختفاء المفاجئ لمصدر الحماية أو الدلال- سيصدم بواقع لا يستطيع التعامل معه. لهذا، ينصح المربون بتعويد الأطفال على التعامل المبكر مع الآخرين وتنويع التجارب الحياتية ودعمهم للحصول على الثقة بتوازن، دون مبالغة وانخداع ولا ضعف وهوان. ومثل ذلك تحصل تجارب القادة الجدد في عالم الأعمال. كنا قد تحدثنا قبل بضع مقالات عن "مبدأ بيتر" الذي يتحدث عن حالة الضعف التأهيلي عند القادة الذين يواجهون النمو السريع. واليوم سنعرج على مسألة مختلفة، لكنها لا تبتعد كثيرا عن مبدأ بيتر. وهي حالة الانخداع التي تحدث عند التنفيذيين عندما تكون أصعب تجاربهم ميسرة، وأكبر نجاحاتهم سهلة، وأعظم تحدياتهم ضعيفة.
تحدث هذه الحالة عندما يحقق التنفيذي نجاحا ظاهرا في نتائج أعماله، ويعتقد بأن محددات النجاح في قصته مرتبطة ارتباطا واضحا بقراراته وطريقة تعامله مع ما واجهه من مصاعب. يعتقد بأن سلوكه طريق مثبت للنجاح. يظن بأن أحكامه حكيمة وتفكيره منطقي وحدسه صائب. ومثلما ينخدع التنفيذي في مثل هذه الظروف، ينخدع من حوله كذلك، سواء كانوا أصحاب مصلحة من مستثمرين ومديرين أو موظفين وعملاء. وعندما يتبدل الحال وتتغير نغمة التحديات وتشتد الظروف، تتحول النجاحات المتتالية إلى فشل مفاجئ، والطرق السهلة إلى وعورة غريبة، والتفوق المعتاد إلى ورطات متتالية.
تقوم محددات النجاح في عالم الأعمال على عدد كبير من المدخلات المختلفة، منها خارجي يخص السوق وبيئة العمل والمنافسة والتنظيمات، ومنها داخلي يرتبط بالمنظمة وقدراتها والفريق وإمكاناته والقائد وحنكته. عالم الأعمال صعب وقاس، تحيط به التحديات أكثر من الفرص، وتلحقه القسوة أكثر من اللين، ويتطلب الجسارة والتحمل، ولا يرحم المغرورين والساذجين. ترتبط نتائج قراراته بدرجة المخاطر المقبولة، وبمستوى الدراية والمعلومة، وليس مكانا للحظ والظروف. لكن، هناك دائما استثناءات، ومشكلة الاستثناءات أنها قليلة وليست دائمة، لذا جل من يستفيد من الظروف الاستثنائية التي تحدث من وقت إلى آخر ينكشف سريعا وتتحول فرصته إلى نقمة، ويتحول الحظ الجيد فيه إلى عجز وقلق، ولا يسلم من ذلك إلا القليل.
من الظروف التي تصنع الدلال في بيئة الأعمال وتورط معها عدد لا يستهان به من القادة والمديرين ما يلي: أولا، المبالغة في الاستفادة من الظروف الجيدة المؤقتة، مثلا تدنى أسعار الفائدة، أو غياب المنافسين، أو الفوز بعقد استثنائي ضخم. لا بد على المسؤول أن يستغل الظروف دون أدنى شك لكن عندما يبالغ بالتركيز على المنافع المؤقتة دون بناء طويل الأجل يصنع خبرات وأعمال ضعيفة التحمل في وقت الشدة. ثانيا، الانهماك في معايشة النمو. وهذا يحدث في قطاعات محددة تتسم بسهولة الدخول إلى القطاع أو تنعم بنمو خيالي وسريع، عندها ينشغل التنفيذي في الاستفادة من النمو دون أن يشعر بضغط التعلم أو الاستعداد للأوقات الأصعب. تذكر دراسة لهارفرد بزنس ريفيو، أن تحديات القيادة عادة ما تظهر في شركات النمو. الثالث، غياب المنافسة، وهذا ظرف تقليدي ومعلوم، فالمنافس يجعل منافسه أقوى، وغياب المنافس يصنع محتكرا انتهازيا وضعيفا. الرابع، الدعم الحكومي، وهذا يمنح عادة المسؤولين في قطاع معين درجة من الراحة أو الاستقرار تجعلهم في بعد عن التطوير والابتكار والقدرة على التكيف. وذكر بعض الأبحاث أن الدعم الحكومي قد يؤثر سلبا في مقدرات الابتكار والمرونة.
وأخيرا، خفة الضغوط، سواء تلك الناتجة عن أنظمة المحاسبة الفاعلة أو الأخرى التي يصنعها العميل أو رب العمل. العميل المتبلد يعزز للخدمة السيئة، ومجلس المديرين الضعيف دائما ما يصفق للإنجازات الهشة. هناك كثير من الشواهد التي تتداخل أو تزيد على القائمة أعلاه، مثل الاعتماد على منتج ناجح جدا، أو ضعف معرفة التنفيذي بالمشكلات الحقيقية في مكان العمل، أو ضعف إمكاناته المعرفية، وكل ذلك يصب في الاتجاه نفسه، خصوصا عندما تستمر الأرباح ويستمر النمو.
تشكل النتائج الإيجابية للأعمال التي تحدث في السياقات الاستثنائية المؤقتة غشاوة كبيرة على أعين الجميع، صانع القرار والمستفيد منه والمتأثر به "مستثمرا وتنفيذيا وعميلا". تصنع هذه المراحل ظروفا مدللة في عالم قاس تجعل كل من يتجاوزها إلى حقائق الأعمال وتحدياته الفعلية في طريق وعر وصعب. لذلك، من يتمرس على تقييم خبراته بموضوعية وتواضع، ويحرص على تقديم الحل الأطول أثرا، ويجدد مهارات التكييف والابتكار، وينوع من تجاربه، سيكون أكثر حظا في استمرار نجاحاته.