لا يمكن السماح باستمرار هفوات 1944 .. يجب تمكين النساء
هناك قصتان متشابكتان يمكن روايتهما الآن عن القوى التي تشكل التوقعات الاقتصادية في أفقر الأماكن في العالم. إحداهما هي مليارات الأشخاص ممن على أعتاب الأزمة، يعانون تغير المناخ، وتداعيات الجائحة، وارتفاعا هائلا في أسعار المواد الغذائية، وأعباء ديون وطنية ثقيلة قاهرة. والأخرى تتعلق بالإمكانات الاقتصادية الهائلة غير المستغلة للنساء اللواتي يعشن في هذه المجتمعات، نساء مثل خادي ديالو وياي ساديو فول وكومكوم جوبتا.
وجدت ديالو وفول، رائدتا أعمال سنغاليتان التقيتهما الصيف الماضي، طريقة مبتكرة لإعادة تدوير الإطارات القديمة، وتحويل أماكن جرداء إلى أرض عشبية للملاعب الرياضية وإيجاد فرص عمل تشتد الحاجة إليها في منطقة ترتفع فيها معدلات البطالة بين الشباب. تشرف جوبتا، التي التقيتها أخيرا في الهند، على فريق من النساء اللواتي يعالجن البقوليات والحبوب وتحويلها إلى منتجات ذات قيمة غذائية عالية تكافح سوء التغذية في مجتمعها.
البيانات الوفيرة عن تأثير النشاط الاقتصادي للمرأة تدعم ما أسمعه على أرض الواقع. عندما تتمكن النساء من المشاركة الكاملة في الاقتصاد، يكون كل من حولهن ميسوري الحال. لكن مليارات النساء في أرجاء العالم لا تسنح لهن الفرصة أبدا لتحويل إمكاناتهن الاقتصادية إلى قوة اقتصادية حقيقية، لأن السياسة الاقتصادية أهملتهن فترة طويلة جدا.
هناك مسافة طويلة بين فناء خلفي في داكار، أو مصنع بالقرب من لكناو، وواشنطن، حيث يعقد البنك الدولي وصندوق النقد الدولي اجتماعات الربيع السنوية هذا الأسبوع. هاتان المؤسستان، وهما جزء من نظام تم إنشاؤه في 1944 لإصلاح الاقتصاد العالمي بعد الحرب العالمية الثانية، تم تشييدهما بمشاركة ضئيلة من النساء أو الأصوات المنتمية إلى العالم الجنوبي، وتبعا لذلك، لم يتم إعطاء أولوية لإمكاناتهن الاقتصادية.
لكن لا يمكننا أن نسمح لهفوات عام 1944 بالحد من النمو في 2024 وما بعده. مع بدء المناقشات بشأن حزمة إصلاحات طال انتظارها، على القادة اغتنام هذه الفرصة لتحديث نظامنا المالي ليعكس احتياجات عالمنا الحديث على نحو أفضل. يشمل ذلك توفير وسائل المساعدة المهمة، مثل المنح والتمويل منخفض التكلفة إلى الدول منخفضة الدخل، وتقديم دعم أكثر للنساء اللواتي سيكن ضروريات لانتشال هذه الدول من الفقر. بصراحة، لا يمكننا تحمل تكلفة ألا نفعل ذلك.
أوقات الأزمات هي بالضبط حين يمكن للعالم الاستفادة من مساهمات المرأة الاقتصادية أكثر من أي وقت آخر. عندما تعمل النساء، فإنهن يستثمرن دخلهن في رفاهية أسرهن ومجتمعاتهن، وتزداد أجور الرجال أيضا. لكن 52 في المائة فقط من النساء في العالم منخرطات في القوى العاملة، مقارنة بـ80 في المائة من الرجال. قد يؤدي سد هذه الفجوة إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي العالمي 28 تريليون دولار. يعزى خمس هذه المكاسب إلى المهارات المتميزة التي تضفيها النساء.
كيف ستبدو السياسة التي تعطي الأولوية لهذه الإمكانات؟ ستعالج الطرائق التي تتفاعل بها النساء مع اقتصاداتهن بصورة مختلفة عن الرجال، من كيفية كسبهن المال إلى كيفية تمتعهن بالخدمات المالية إلى واقع تجربتهن بصفتهن مقدمات رعاية. مثلا، نظرا لأن ريادة الأعمال النسائية مصدر ضروري للفرص، يمكن لصانعي السياسات الاستثمار في مجموعات تمكين المرأة، وربط الأعمال التجارية النسائية بخدمات مثل الادخار والتأمين، وتحسين فرص حصولهن على الائتمان لمساعدتهن على النمو.
لطالما أعطت النظم الزراعية الأولوية للمزارعين الذكور -على الرغم من أن نحو نصف المزارعين أصحاب المزارع الصغيرة من النساء- لكن يمكن لصانعي السياسات تسريع النمو بضمان حصول المزارعات على فرص متساوية للولوج إلى الأسواق لبيع سلعهن والانضمام إلى برامج تساعدهن على التكيف مع تغير المناخ.
وبالنظر إلى أن الهويات المالية الرقمية والقدرة على استخدام المعاملات المالية الإلكترونية أصبحت على نحو متزايد شرطا أساسيا للمشاركة الاقتصادية، على صانعي السياسات تصميمها مع مراعاة احتياجات المرأة. في إحدى التجارب، زادت مشاركة القوى العاملة 38 في المائة للنساء الهنديات اللائي تم تعليمهن حول الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول وتلقين مدفوعات رقمية لحساباتهن الخاصة. هذه الأدوات تبشر بمستقبل واعد، فقط إذا كانت متاحة لكلا الجنسين بالتساوي.
أخيرا، ينبغي لصناعي السياسات إدراك أن النساء لن يصلن أبدا إلى إمكاناتهن الاقتصادية حتى يتم دعمهن بشكل أفضل بصفتهن مقدمات للرعاية. يتطلب ذلك استثمارا حكوميا في تنظيم الأسرة ورعاية الأطفال، عنصران حاسمان لبنية تحتية اقتصادية أكثر عدلا. يمكن أن يؤدي توسيع نطاق تلقي الأطفال الرعاية إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي العالمي أكثر من ثلاثة تريليونات دولار.
الدليل واضح، فالسياسة الاقتصادية الشاملة تفضي إلى اقتصادات أقوى للجميع. ترى ديالو وفول وجوبتا الآثار المتتالية في مجتمعاتهن كل يوم. بالتحديثات الصحيحة لنظامنا المالي العالمي -والدعم المناسب المقدم إلى الدول- يمكن لمليارات النساء الأخريات الانضمام إليهن.
*الرئيس المشارك لمؤسسة بيل آند ميليندا جيتس ومؤسسة بيفوتال فنشرز