رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التأثير بالترويج المضلل

طرحت تساؤلات كثيرة ومتنوعة عن الاتجاه الصاعد لصناعة التسويق من خلال المؤثرين، وأثيرت أسئلة بشأن الأساليب القديمة للإعلان والتسويق، التي أظهرت الأبحاث أنها أصبحت تفتقد المصداقية، وأن نحو 30 في المائة من جميع مستخدمي الإنترنت يستخدمون أدوات منع الإعلانات لإزالة الإعلانات المصورة المشتتة أثناء وصولهم إلى التطبيقات والخدمات عبر الإنترنت، وأن 47 في المائة من المستهلكين يستخدمونها، لأن الإعلانات "غير ملائمة ومزعجة"، فهذه الإعلانات ذات الأساليب التقليدية تعد اقتحامية، وتأتي دون طلب، وتشتت الانتباه عن السياق، لذلك يسعى الناس إلى تجنبها والاستياء منها، وهي في الوقت نفسه تفتقد التفاعل بين المعلن والمتسوق، فلا يمكن الاستفسار ولا التواصل، لذلك يتجه المستهلكون إلى التعرف على المنتجات من المؤثرين الذين يتفاعلون عادة مع المتسوقين فورا، ويقومون بتجريب المنتجات علنا، مع إضفاء طابع المصداقية على ما يقدمونه، وهذا ما جعل المؤثرين الصغار منتشرين على كل الشبكات الاجتماعية، ومن خلال مقاطع الفيديو، يروجون لجميع أنواع المنتجات من أدوات التجميل أو الشاي أو الأحذية أو ألعاب الفيديو ويتقاضون أجورا لقاء ذلك.
وعلى هذا الصعيد وفي دراسة عن صناعة التسويق من خلال المؤثرين، يشير تقرير حديث إلى نمو هذه الصناعة بما يقرب من 21.1 مليار دولار في 2023، بينما يؤكد أكثر من 83 في المائة من المشاركين في الدراسة أن التسويق من خلال المؤثرين هو شكل فاعل من أشكال التسويق، ولذلك يخصص 67 في المائة منهم ميزانية للشراء من خلال ما يسوقه المؤثرون، وبينما هم ينفقون الآن ما يقرب من 40 في المائة من ميزانيتهم للشراء من حملات المؤثرين، فإنهم يسعون إلى زيادة هذه الميزانية، من جانب العلامات التجارية، فهناك تفضيل قوي للعمل مع المؤثرين الصغار والمشاهير، وأصبح من المعتاد الآن دفع المال للمؤثرين، بدلا من مجرد منحهم منتجا مجانيا، ويعد برنامج تيك توك أكثر البرامج استخداما بنسبة تصل إلى 56 في المائة من العلامات التجارية التي تستخدم التسويق المؤثر وتجاوز منصة إنستجرام، التي تستخدمها العلامات التجارية بنسبة 51 في المائة وفيسبوك عند (42 في المائة) ويوتيوب عند (38 في المائة).
ففي دراسة نشرها البرلمان الأوروبي تظهر أن المؤثرين يؤثرون في قرارات الشراء الفعلية للمستهلكين، الذين يشترون المنتج مباشرة عبر الرابط المقدم من المؤثر، وأشارت نتائج الدراسات إلى أن 85 في المائة من المستهلكين الذين تمت مقابلتهم يأخذون آراء المؤثرين في الحسبان عند شراء منتج، وأظهر استطلاع أجري مع المستهلكين الألمان أن الأسباب الرئيسة وراء اتباع المستهلكين للمؤثرين هي أنهم محبوبون (58 في المائة)، ويقدمون نصائح جيدة في مجالات الاهتمام (50 في المائة) ويلهمون متابعيهم (41 في المائة)، وأشارت الدراسة إلى أن 21 في المائة يتابعون المؤثرين لأنهم مسلون، بينما قال 19 في المائة إنهم ينظرون إلى المؤثر كنموذج.
لكن تنامي ظاهرة الإعلان من خلال المؤثرين جعل كثيرين يشككون في مصداقيتهم، خاصة أن المؤثرين أصبحوا يتقاضون قيمة الإعلان نقدا بعدما كانوا يتقاضونها على شكل منتجات، وقد تصاعدت نظرا إلى ذلك طلبات الإفصاح عن إعلان المدفوع والإعلان غير المدفوع، ففي دراسة أجريت في ألمانيا قال 40 في المائة إن على الإعلانات أن تكون مصنفة بشفافية، بينما أبدى 22 في المائة انزعاجهم بشكل عام من الإعلانات المدفوعة وأنه لا يوجد تبرير للتعاون بين العلامة التجارية والمؤثر.
من جانب آخر، هناك من يرى بأن المؤثرين يتسببون في الاستهلاك المفرط، حيث يعتمد تأثير المؤثرين في العوامل الاجتماعية والديموغرافية، ففي دراسة استقصائية ألمانية أشار 43 في المائة من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الشباب (الذين تراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما) إلى أنهم اشتروا المنتجات لأن أحد المؤثرين روج لها، ووفقا لمسح أجري في إيطاليا تبين أن وسائل التواصل الاجتماعي والمشاهير لهما التأثير الأكبر في مشتريات الصغار من المشاركين في المسح، ما يشير إلى أن المؤثرين يستهدفون هذه الفئة من المستهلكين لتعزيز الشراء المفرط، والاستهلاك غير المسؤول.
ومع هذا السباق، أصبح المؤثرون أقل مصداقية، وهناك موجة من التشكيك فيما يقدمونه من محتوى مدفوع في الأغلب من أجل تفضيل منتج على آخر، ومن أجل تعزيز مفاهيم الاستهلاك المفرط وغير المسؤول، ما أدى إلى ظهور نزعة جديدة بين المؤثرين فيما يطلق عليه deinfluencing، بمعنى "إبطال التأثير" أو تفكيكه، حيث يستخدم المؤثر كل الأساليب، التي يستخدمها المؤثرون عادة للترويج لهذه السلعة أو تلك، لكن بهدف مضاد هو ثني المتابعين عن شرائها، ويسعى هؤلاء المؤثرون إلى استعادة الثقة بإعلانات التأثير. ويصف المراقبون هذه الموجة بأنها رد فعل على التضخم الذي يعصف في العالم اليوم وارتفاع الأسعار، ويعملون من أجل بناء حركة مناهضة للاستهلاك المفرط.
ويرى البعض أن سبب هذه الموجة هو أن مشاهير الشبكات الاجتماعية الساعين بكل بساطة إلى تعظيم دخلهم، اختطفوا جزئيا التوجه الانتقادي للمنتجات، لكن بغض النظر عن الأسباب الحقيقية الكامنة خلف هذا الاتجاه، فإن "إبطال التأثير" هو محاولة لكي يبدو المؤثر نزيها، وأن الحقيقة القائمة هي أن الجمهور بات يشكك في "مصداقية" كلام المؤثرين، لأنه يدرك أنهم يتقاضون أجورا، بينما يتسببون في رفع الأسعار وتعزيز التضخم والإفراط في الاستهلاك غير المسؤول، ويستهدفون الفئات الأكثر انقيادا بسبب قضايا ليست لها علاقة بالمنتج نفسه أو بالحاجة إليه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي