رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


تشريعات لعدالة المنافسة

أصبح قطاع التكنولوجيا أحد أكبر المجالات التي تؤثر في حياة البشر منذ بدايات الثورة الصناعية واختراع المحرك، وصولا إلى يومنا هذا، حيث أصبحت الهواتف الذكية والحواسيب جزءا أساسيا، واقتحمت تطبيقاتها جوانب حياتنا اليومية. وبقيت أكبر شركات التكنولوجيا في العالم لها تأثير عميق في هذا المجال، لأنها غالبا ما ترسم، وتقود حركة الإبداع، والتطوير الذي يحدد الأدوات التي نعتمد عليها في عالمنا اليوم أو في المستقبل.
وتواجه هذه الشركات العملاقة تحديات قد تغير مسار التطور التكنولوجي أو تبطئ من تسارعه أو تقتله، وهذه التحديات تتمحور في أمرين، الأول يتعلق بالمتغيرات الاقتصادية الراهنة في الاقتصاد الدولي التي تقلص جزءا من القدرة المالية الضخمة التي تتمتع بها تلك الشركات، والثاني يتعلق بما تواجهه هذه الشركات من تشريعات بشأن المنافسة والضغوط التي تمارسها مؤسسات المجتمع المدني وشركات التكنولوجيا الصغيرة لوضع مزيد من القوانين التي تفرض شروطا لحماية الخصوصية.
ووفقا لتقرير نشرته "الاقتصادية" أخيرا يتوقع أن يتقلص هامشها التشغيلي بنحو 1 في المائة هذا العام نتيجة ارتفاع النفقات العامة، كان من بينها 800 مليون دولار إضافية في فواتير الطاقة. لكن رغم شدة العاصفة الاقتصادية التي تواجه هذه الشركات العملاقة فإنها قد لا تعد شيئا أمام العواصف التشريعية التي تواجهها اليوم على جميع الأصعدة، ففي بريطانيا تم تمرير قانون قد يجبر هذا النوع من الشركات على التعامل بحزم مع التزييف العميق والأمن الإلكتروني والتحقق من عمر القاصرين، قد يؤدي انتهاك القانون إلى عقوبة السجن للمديرين التنفيذيين، كما أقر الاتحاد الأوروبي قانون الخدمات الرقمية، الذي يتطلب من منصات وسائل التواصل الاجتماعي تشديد الإشراف على المحتوى، وقد تتعرض الشركات لغرامات تصل إلى 6 في المائة من مبيعاتها العالمية في حال عدم الامتثال.
ولم تكن الولايات المتحدة الأمريكية بعيدة عن تلك العاصفة، وهي مقر لمعظم الشركات التكنولوجية العملاقة، فطوال الأعوام الثلاثة الماضية كان النقاش وما زال محتدما بشأن قدراتها الضخمة على التأثير في حرية الأسواق، ومنع المنافسة، وتطوير عوائق دخول، وتحديد تفضيلات العملاء في منتجاتهم، ما أصبح يلقي بثقل كبير على الشركات الصغيرة. وبعثت عشرات من الشركات ومؤسسات الأعمال برسائل إلى أعضاء الكونجرس الأمريكي تحثهم على دعم مشروع قانون من شأنه كبح جماح أكبر شركات التكنولوجيا مثل جوجل، وأمازون وألفابت.
وهذه التحديات الأساسية التي تواجه شركات التكنولوجيا تعد أكثر عمقا، فبعض الخبراء يضيفون مجموعة من العوامل التي تزيد التنافس في مجال التوظيف التقني، حيث زادت الشركات من الأجور والمزايا في محاولة لجذب المواهب والاحتفاظ بها، ما رفع من الفاتورة الكلية لتكاليف الإنتاج، ويرى آخرون من المشرعين المدافعين عن هذه الشركات أن التحديات الاقتصادية والتشريعية تأتي من منطق عدائي، ويتعامل معها بحسبانها كتلة واحدة، وبينما نتحدث هنا عن عديد من الصناعات المختلفة، فعلينا التفريق بين شركات التواصل الاجتماعي وشركة مثل أمازون أو شركة جوجل أو إنتل أو أبل، فلا توجد تقنية كبيرة واحدة، هناك مجموعة متنوعة من الصناعات الفرعية المختلفة.
وأمام هذه المفارقات فإن المشهد مختلف تماما عما شهدناه من قبل، ويهدد نظرية المنافسة نفسها، ولا شك أن التقنية الحديثة التي تقدمها شركات التكنولوجيا العملاقة تقودنا نحو مزايا كبيرة لم تكن متحققة من قبل، لكنها في مقابل ذلك تحد من المنافسة التي هي الضمانة الأساسية في كفاءة استخدام الموارد، ما قد يجعلنا في قلق بشأن استمرار سيطرة وهيمنة هذه الشركات العملاقة، وبالتالي كفاءتها في استخدام الموارد فيما لو تمت لها السيطرة الكاملة على الأسواق.
كما أن الاقتصاد الرقمي لم يزل يلقي بظلال واسعة على كل المفاهيم الأساسية والكلاسيكية منها، كما نحتاج إلى نظرية تشريعية واقتصادية جديدة لتفسير الواقع الجديد وعلاقاته المتشابكة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي