رحلات العمل لم تمت .. التنبؤات بعيدة عن الواقع

رحلات العمل لم تمت .. التنبؤات بعيدة عن الواقع

خلال الأيام الحالكة التي فرضت فيها القيود على السفر، برهنت شركات الطيران الأوروبية على حدود الاجتماعات الافتراضية.
شعر كبار رؤساء شركات الطيران بالارتباك في اتصال بالفيديو في قمة صناعية سنوية في 2021، عندما انهار الاتصال بلجنة عبر الإنترنت بسبب انقطاع الاتصال بمنسق الحوار. ثم عاد المضيف بعد محاولة الرؤساء التنفيذيين ملء الوقت بالحديث عن خططهم للعطلة، لكنه عاد واختفى مرة أخرى بعد سقوطه من على كرسيه.
كان هذا المؤتمر أكثر تفاعلا من كثير من المؤتمرات، لكنه أيضا أثبت نقطة أن التنبؤات بانتهاء رحلات العمل بعد ظهور منصات الاجتماع بالفيديو مثل زوم ومايكروسوفت تيمز غير دقيقة.
توقع بيل جيتس، مؤسس شركة مايكروسوفت، أن تختفي أكثر من 50 في المائة من رحلات العمل، وحتى بعض كبار رؤساء صناعة الطيران اعتقدوا أن جزءا كبيرا من تلك الرحلات قد اختفى إلى الأبد.
لكن في الواقع، سارع المديرون التنفيذيون للتخلي عن اجتماعات الفيديو وعادوا إلى السفر. مثل كثير من التغييرات التي بدت أثناء الجائحة أنها ستصبح دائمة، رجعت العادات القديمة بثبات.
الأكثر لفتا للنظر هو أن مجموعة فنادق إنتركونتيننتال أفادت بأن الطلب على السفر من جانب الشركات وإيراداته في الولايات المتحدة قد عادا بالفعل إلى مستويات ما قبل الجائحة.
تعافت رحلات العمل في شركة يو إس دلتا للطيران إلى "نحو منتصف الثمانينات" في المائة من المستويات العادية، في حين إن الانتعاش في أوروبا أبطأ، لكنه يتزايد. وقالت شركة آي أيه جي المالكة للخطوط الجوية البريطانية "إن نسبة حجوزات الشركات عادت إلى 70 في المائة من المعدل الطبيعي، وإنها تهدف هذا العام إلى العودة لتحقيق 85 في المائة".
أما الشركات فلا تزال متخلفة عن السفر الترفيهي الذي يشهد ازدهارا، لكن فترات التراجع السابقة تشير إلى أن رحلات العمل تستغرق عادة وقتا أطول كي تعود، ما يعني أنه يجب أن يكون هناك مجال لمزيد من النمو. قدرت شركة ماكينزي أن السفر الدولي للعمل من الولايات المتحدة استغرق خمسة أعوام ليتعافى تماما من الأزمة المالية العالمية، بينما عاد السفر الترفيهي في غضون عامين.
يأتي الانتعاش رغم التكلفة المذهلة للطيران. كانت الخطوط الجوية البريطانية والخطوط الجوية الأمريكية وفيرجن أتلانتيك، قد سعرت يوم الخميس الماضي رحلة ذهاب وعودة على درجة الأعمال بين لندن ونيويورك بأكثر من 7500 جنيه استرليني في الأسبوع الأخير من نيسان (أبريل).
تعكس هذه الأسعار التكلفة المرتفعة لعمليات شركات الطيران والطاقة الاستيعابية لرحلة الطيران التي لا تزال أقل مما كانت عليه قبل الجائحة عبر هذه الصناعة. لكنها أيضا تعزز الشهية الكبيرة للطيران. حددت شركات الطيران أسعار التذاكر لتعكس الطلب، بينما يتقبل الركاب والشركات هذه الأسعار على الرغم من استمرار تعطل السفر هذا العام، بما في ذلك أكثر من 300 رحلة جوية تم إلغاؤها في غضون عشرة أيام من مطار هيثرو في لندن بسبب الإضراب.
قال أرئيل كوهين، مؤسس منصات نافان لحجوزات الشركات، "إن شركته شهدت تغييرا في مجموعة الأشخاص المسافرين، مع انخفاض طفيف في المسافرين التقليديين مثل الأشخاص الذين يعملون في المبيعات، لكن بزيادة في السفر الداخلي بسبب العمل الهجين".
"تفيد النظرية أنه بسبب كثرة العمل عن بعد، يحتاج الناس إلى مزيد من اللقاءات لأنهم لا يعرفون بعضهم بعضا"، كما قال.
إن مستقبل السفر للعمل مهم من الناحية الاقتصادية. تدعي الصناعة أنها قدمت دعما بشكل غير مباشر لواحدة من كل سبع وظائف في جميع أنحاء العالم قبل الجائحة، وتباهت بتحقيق إيرادات سنوية قدرها 1.4 تريليون دولار في 2019. بالنسبة إلى كثير من شركات الطيران، فهي مسألة وجودية، حيث يولد السفر للعمل ما يصل إلى 75 في المائة من عائدات شركات الطيران في بعض الرحلات الدولية، وفقا لشركة بي دبليو سي لتدقيق الحسابات.
لكن إذا لم تستطع الجائحة أن تحد من السفر للعمل، فهل يمكن أن تؤدي المخاوف البيئية المتزايدة إلى ذلك؟ يمكن للانبعاثات الناتجة عن السفر أن تشكل جزءا كبيرا من انبعاثات الشركات، وهو أمر سيؤدي إلى اتخاذ إجراءات صارمة في أجزاء من عالم الشركات.
كشفت شركة بي دبليو سي، مثلا، أن السفر جوا يمثل 68 في المائة من انبعاثاتها، وتعهدت "بتقليل الرحلات غير الضرورية".
تدرك شركات الطيران هذا التهديد المتزايد، حيث كشفت عن طرق لخفض انبعاثات عملائها من الشركات من خلال الدفع مقابل الوقود المستدام أو التعويضات عند الحجز، على أمل تشجيع الناس على مواصلة السفر.
يبدو أن ذلك حقق نجاحا لغاية الآن. لكن قدرة الصناعة على إقناع شركاتها بأن جهودها لخفض انبعاثات الكربون ذات مصداقية تبدو تحديا أكثر أهمية من جعل الناس يبتعدون عن شاشات أجهزة الحاسوب ويعودون إلى الاجتماع شخصيا.

الأكثر قراءة