خطوة جريئة .. رئيس «لوريال» ينقض على «إيسوب» لصناعة الصابون الفاخر
تعلم نيكولاس هيرونيموس تقليد التأني وأخذ الوقت الكافي في إبرام الصفقات، نظرا لأنه أمضى حياته العملية في "لوريال"، وهو الأسلوب الذي اشتهرت به شركة التجميل الفرنسية. لكن بعد عامين من توليه منصب الرئيس التنفيذي، حرص على إبعاد بعض أثرى منافسيها من أجل الحصول على شركة إيسوب.
لإبرام صفقة شراء العلامة التجارية الأسترالية الثمينة الفاخرة للعناية بالبشرة بقيمة 2.5 مليار دولار من مالكتها البرازيلية شركة ناتورا -وهي أكبر عملية استحواذ لشركة لوريال- قدم المدير التنفيذي البالغ من العمر 59 عاما عرضا تفوق على عرض عملاقة المنتجات الفاخرة إل في إم إتش وشركتي شيسيدو وكلارنز الفاخرتين للعناية بالبشرة، وفقا لأشخاص على دراية بالمنافسة. كما قدمت شركة بيرميرا وشركة بريمافيرا الصينية للأسهم الخاصة عروضا لشراء الشركة.
بمساعدة جان بول أجون رئيس مجلس إدارة "لوريال" -رجل آخر ذو باع طويلة في الشركة- تقرب هيرونيموس من شركة ناتورا التي لم ترغب في البداية في بيع العلامة التجارية المربحة للغاية. كان من المهم أن الطرفين يعرفان بعضهما بعضا منذ أن اشترت الشركة التي يقع مقرها في ساو باولو شركة ذا بودي شوب من المجموعة الفرنسية في 2017.
قال شخص مقرب من الشركة "حمل نيكولاس المشروع وحارب من أجله. إن هذه الصفقة تعكس أن (لوريال) تريد الحفاظ على هيمنتها في سوقها وإظهار قوتها".
يعتزم هيرونيموس، الذي بدأ عمله في "لوريال" في 1987، الاستفادة من خبرته البالغة مدتها ثمانية أعوام في إدارة الوحدة الفاخرة للمجموعة، حيث ضاعف خلالها مبيعات القسم من خلال شراء أسماء صغيرة لكنها مرغوبة مثل إيربان ديكي وترخيص "فالينتينو" لمنتجات التجميل.
تراهن "لوريال"، أكبر مجموعة مستحضرات تجميل في العالم من حيث المبيعات، أيضا على أنها تستطيع استخدام حجمها لتعزيز الشركة الجديدة التي اشترتها لمضاعفة مبيعات العلامة التجارية مرتين أو ثلاثا في غضون أعوام قليلة، وهي قاعدة طبقتها على عمليات الاستحواذ الأخرى، مثل الاستحواذ على علامتي كيلز وسيرافي للعناية بالبشرة.
قال سيريل تشابوي، رئيس قسم المنتجات الفاخرة في "لوريال"، "إن هناك معيارين عند النظر في عمليات الاستحواذ المحتملة، إمكانات النمو الأساسي في المستقبل والتكامل مع محفظتنا، إن علامة إيسوب التجارية تحقق كلا الأمرين وأكثر من ذلك".
"طموحنا هو تنمية العلامة التجارية، بحيث تنضم إلى مجموعة المليارات في المستقبل القريب. وهذا يعني مضاعفة المبيعات"، كما أضاف.
تشتهر "إيسوب" بصابونها الفاخر -زجاجة حجمها 500 مليمتر تباع بأكثر من 30 جنيها استرلينيا- ومنتجات العناية بالبشرة المعطرة بشكل مميز، كما يحبها المستهلكون الشباب لجماليتها البسيطة وروحها النباتية الصديقة للبيئة. قواريرها الزجاجية الداكنة المميزة، وعبواتها أحادية اللون، وتصميمات متاجرها التي تعتمد على فكرة معينة، جعلتها تتميز عن العلامات التجارية الأخرى.
رغم أن كلا من الصابون وسعر الشركة قد يبدو مرتفعا للوهلة الأولى، قال المحللون "إن تمركز (إيسوب) عند تقاطع الفخامة والجمال صديق البيئة -وهما من القطاعات الأسرع نموا في الصناعة- وإمكاناتها للنمو تجعلها عملية استحواذ قوية لشركة لوريال".
قال المحلل برونو مونتين في شركة أليانس بيرنشتاين لإدارة الأصول "في قطاع البضائع الاستهلاكية، يعتمد المضاعف الذي يدفعه المرء بشكل كبير على مستوى النمو في الشركة. إن (إيسوب) تنمو بنسبة تزيد على 20 في المائة، أسرع بثلاث مرات من أي شركة أخرى في هذا القطاع". كما يبلغ هامش الربح الإجمالي للشركة نحو 87 في المائة، أعلى حتى من هامش ربح 72 في المائة لشركة لوريال.
تحت ملكية شركة ناتورا، زاد الحضور التجاري من حيث عدد متاجر البيع بالتجزئة لـ"إيسوب" من 60 إلى 400 متجر، بينما نمت الإيرادات بمقدار عشرة أضعاف لتصل إلى 537 مليون دولار في 2022.
وفقا لمونتين، فإن العلامة التجارية "لا تزال تتمتع بإمكانية التوسع المادي"، باعتبارها علامة جمال فاخرة لم تدخل الصين، حيث طورت "لوريال" حضورا قويا منذ تسعينيات القرن الماضي، عن طريق تأسيس محال للبيع بالتجزئة في مناحي قطاع السفر كالمطارات والسفن السياحية وغيرها. كما أطلقت "إيسوب" أخيرا مجموعة عطور يمكن لـ"لوريال" الاستفادة منها.
فضلت "ناتورا"، التي تعاني ديونا ثقيلة بعد اندفاع توسعي، في البداية الاحتفاظ بحصة في "إيسوب"، أحد أقوى أصولها، قبل أن تغير رأيها بمساعدة ضغط هيرونيموس، وفقا لأشخاص مطلعين على المناقشات.
تأسست "لوريال" في 1909، وتتمتع بسجل حافل بالاستحواذ على علامات تجارية قوية أصغر حجما، ثم الاستفادة من قوة التسويق والتوزيع للمجموعة لتوسيع نطاق تلك العلامات. في 2017، اشترت علامة سيرافي للعناية بالبشرة التي ينصح بها أطباء الأمراض الجلدية مقابل 1.3 مليار دولار وحولتها إلى ظاهرة في أوساط المستهلكين الشباب من خلال التسويق البارع عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
أصبحت "سيرافي" شعبية جدا لدرجة أنه تم استنفاد المخزون لدى كبار شركات البيع بالتجزئة الأمريكية مثل تارجت ووول جرينز بعد انتشارها على تيك توك على نطاق واسع في 2021. كما نمت مبيعات "سيرافي" عشرة أضعاف لتتجاوز مليار يورو في غضون خمسة أعوام، وانضمت إثر ذلك إلى صفوف "العلامات التجارية ذات المليارات" الـ11 في المجموعة التي تشمل لانكوم وجارنييه وإيف سان لوران.
إن "لوريال" تمتلك الموارد المالية اللازمة لإبرام الصفقات بعد عدة أعوام من المبيعات القوية. المخاوف من أن الجائحة وإغلاقات الصين خلال سياسة "صفر كوفيد" والتضخم قد تردع المستهلكين عن الإنفاق على الجمال لم تؤثر كثيرا في أدائها. فقد كسبت أسهم المجموعة نحو 25 في المائة منذ بداية العام ويتم تداولها بالقرب من أعلى مستوياتها على الإطلاق.
كان لدى الشركة صافي نقد قدره 2.6 مليار دولار في نهاية 2022 قبل إبرام صفقة "إيسوب"، وقالت "إنها ستكون حريصة على إبرام صفقات لتعزيز وجودها في الأسواق الناشئة سريعة النمو كالهند وفي مستحضرات التجميل العلاجية، أو العناية بالبشرة".
إن "لوريال" بالفعل كبيرة للغاية لدرجة أن "إيسوب" ستضيف فقط 1 في المائة تقريبا إلى مبيعات المجموعة سنويا، ليست رهانا على التحول الشامل. مع أن عمليات الاندماج والاستحواذ جزء من ثقافة الشركة، فإن "لوريال "معروفة أيضا بالحذر والدقة.
قال الشخص المقرب من الشركة "إن فريق لوريال صارم للغاية، لذا فهم يريدون فعل الأشياء بشكل صحيح فيما يتعلق بدمج (إيسوب). سيستمرون في إبرام صفقات صغيرة ومتوسطة في المرحلة التالية، لكن ليس صفقات كبيرة، حتى يتم الانتهاء من مشروع (إيسوب)".