الذهب والفضة والاستقرار النقدي «2 من 4»
في نظم سعر الصرف الثابت، "تطرد النقود الرديئة النقود الجيدة" حسب "قانون غريشام". وهذا ما حدث في ظل نظام المعدنين، حيث قامت مصلحة سك العملة بتثبيت السعر النسبي لمعدنين من المعادن المستخدمة في سك العملات. فإذا ما ازداد عرض أحدهما ـ بسبب الاكتشافات الجديدة أو إصلاحات العملة التي ألغت الوظيفة النقدية لهذا المعدن ـ يتراجع سعره السوقي على الأرجح، ما يشجع على تقديم السبائك "المعدن الخام" إلى مصلحة سك العملة لتحويلها إلى عملات معدنية للاستفادة من الضمان السعري. وعلى العكس، فإن المعدن الآخر، الذي أصبح أكثر ندرة "وأعلى قيمة نسبيا بالتالي"، يتم سحبه من التداول. وبذلك تكون التغيرات في عرض السبائك قد أحدثت تحولا في تكوين العملات المعدنية لمصلحة المعدن الأقل قيمة، أي المعدن "التضخمي"، ما دام الضمان السعري الذي أقرته مصلحة سك العملة ساريا. وسمي هذا المبدأ النقدي نسبة إلى السير توماس غريشام، المستشار المالي للملكة اليزابيث الأولى.
واشتدت المخاوف في ألمانيا خصوصا. فمعظم ولايات ألمانيا كانت تستخدم عملات الفضة. ودون ارتباط المعدنين، كانت ألمانيا لتجد نفسها في نظام نقدي مختلف عن اقتصادات العالم الكبرى ـ المملكة المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا ـ ومضطرة للدخول في عمليات تجارية مع هذه الاقتصادات بأسعار صرف معومة. وانتاب الاقتصاديين والشركات الخوف من إمكانية تراجع أهمية ألمانيا لتصبح ضمن اقتصادات الهامش. وفي فرنسا، لم ينل نظام المعدنين رضا الجميع أيضا، ولا سيما بسبب التقلبات في تكوين العملات المعدنية الفرنسية.
وحول نظام المعدنين في ستينيات القرن الـ19 ففي ظل هذه الضغوط، كيف استمر نظام المعدنين في ستينيات القرن الـ19؟ في 1867، استضاف نابليون الثالث مؤتمرا نقديا دوليا في باريس للبحث عن بدائل. وأصدر توصية غير ملزمة بإقامة نظام عالمي للعملة قائم على الذهب. وبدا أن فرنسا نفسها كانت تقود العالم بعيدا عن نظام المعدنين.
ولكن إصدار التوصية أمر وتنفيذها أمر آخر تماما ـ حتى بالنسبة إلى فرنسا نفسها. فقد اقتضى التحول إلى الذهب تخلص فرنسا من عملاتها الفضية. غير أن ذلك كان ليؤدي إلى تراجع قيمة الفضة بمجرد زوال الرابط بين المعدنين وإبطال الوظيفة النقدية للفضة ـ أي أن التخلي عن نظام المعدنين كان بمنزلة حكم بالخسارة تصدره فرنسا على نفسها.
وفي ألمانيا، طالبت أصوات متزايدة بإحلال الذهب محل الفضة أو إقرار عملة قائمة على المعدنين. لكن الولايات الألمانية لم يكن في استطاعتها التخلص من عملاتها الفضية إلا في مقابل ذهب يقدمه بلد آخر، وهذا "البلد الآخر" لم يكن سوى فرنسا. وحسب قانون غريشام، كانت الإصلاحات الألمانية لتؤدي إلى زيادة كبيرة في حجم الفضة المتداولة في فرنسا. فهل كانت فرنسا لتتحمل ذلك؟ أم أنها كانت لتحل الرابط بين المعدنين لتجنب إغراقها بالفضة ـ بل لتجنب النتيجة نفسها التي كان يخافها الخبراء الألمان، ألا وهي العزلة النقدية؟ وانتهى الأمر بصناع السياسات الألمان إلى وضع مجموعة من التكهنات دون إحراز أي تقدم في إصلاحات العملة بخلاف بضع خطوات أولية.. يتبع.