متى يكون إفلاس المصارف مهما للاقتصاد؟

متى يكون إفلاس المصارف مهما للاقتصاد؟

عندما بدأت دراسة الاقتصاد في مطلع الألفية، كانت الغطرسة تغمر هذه المهنة.
كانت إحدى شرائح العرض التي عرضت خلال محاضرتنا الأولى عن الاقتصاد الكلي عبارة عن رسم بياني للناتج المحلي الإجمالي العالمي منذ منتصف القرن الـ19. أظهرت الشريحة توسع الاقتصاد العالمي بشكل كبير على مدار الفترة كاملة، إلى جانب نقطة واحدة تظهر انحرافا ملحوظا في أوائل الثلاثينيات.
تلك الإشارة، التي أثارها انهيار وول ستريت عام 1929، كانت بحسب الأستاذ المحاضر، في واقع الأمر، غير ذات أهمية. قيل لنا "لا تقلقوا، لقد حللنا تلك المسألة، ولن تحدث مرة أخرى".
لم يعد صناع السياسة مغرورين لهذه الدرجة.
لقد دحضت الأزمة المالية العالمية في عام 2008 الأفكار القائلة إن جميع الأسئلة المتعلقة بكيفية الحفاظ على تقدم الاقتصادات بشكل جيد قد تمت الإجابة عنها. كذلك فتحت أعين كثيرين على الفكرة الواضحة بشكل صارخ الآن، المتمثلة في أن صحة البنوك مهمة لبقيتنا.
ما لفت انتباه الجميع تقريبا، قبل انهيار بنك ليمان براذرز، كان وجهة نظر مفادها أن النظام المالي لم يكن أكثر من مجرد وكيل عن النشاط الاقتصادي، ومخصص فعال لرأس المال، خال من الحياة.
لكن هل نخاطر الآن بالقراءة أكثر من اللازم عن قدرة التمويل على إحداث الفوضى؟
أثار فشل بنك وادي السيليكون مخاوف من ذعر مالي أوسع يمكن أن يؤدي بدوره إلى أزمة ائتمانية صعبة من شأنها أن تدفع بالاقتصادات نحو الركود. كانت تلك المخاوف هي السبب الذي قدمته السلطات الأمريكية لإنقاذ جميع المودعين في بنك الإقراض الذي يتخذ من كاليفورنيا مقرا له.
مع ذلك، نموذج أعماله -والمخاطر التي أقدم عليها- فريدان نوعا ما.
هناك عديد من الحالات، مثل انفجار فقاعة الإنترنت، لم يكن للذعر الناشئ عنها تأثير مدمر للغاية في النمو.
إذن، كيف يمكننا معرفة متى يكون الإفلاس المصرفي مهما للاقتصاد ومتى لن يكون كذلك؟
الإجابة الصادقة هي، فقط بعد فوات الأوان في كثير من الأحيان.
فكما هي الحال غالبا، الماضي لا يقدم لنا الإجابات كلها، لكنه يعطينا بعض الإرشادات.
وكي يؤثر فشل أحد البنوك في الاقتصاد الأوسع لا بد من حدوث أمرين. الأول، أن الفشل يجب أن يؤدي إلى ذعر مالي أوسع. والآخر، أن يتسبب الذعر في أزمة ائتمانية أوسع.
الأعمال المصرفية صناعة غير عادية من حيث إن انهيار أحد المنافسين لا يعد بالضرورة مسألة مفرحة للبنوك التي بقيت صامدة.
كان بنك يو بي إس مترددا في إنقاذ "كريدي سويس". لو أنه لم يفعل، كان من المحتمل أن تكون العواقب أسوأ بالنسبة إليه، وربما إلى بقية البنوك الأوروبية.
لذا، إحدى أول بوادر القلق هي الدرجة التي توجد بها مشكلات أحد البنوك عواقب سلبية لأقرانه يتحملها الاقتصاد الأوسع.
في كثير من الأحيان يكون الأمر مسألة إدراك. هل يمكن اعتبار البنك الفاشل فريدا من بعض النواحي؟ وهل يمكن للمنظمين إقناع الجمهور بأن البنوك الأخرى تتمتع برأسمال جيد ويتم الإشراف عليها بشكل جيد؟ وهل مجمل المزاج الاقتصادي الأوسع جيد أم كئيب؟
أحد المقاييس التي تجب مراقبتها هو تدفقات الودائع الخارجة "هذا هو السبب في أن كثيرا من الناس كانوا في الآونة الأخيرة يراقبون من كثب إصدار تقرير إتش 8 من مجلس الاحتياطي الفيدرالي".
في الماضي كان من الممكن أن يستغرق الانتشار بعض الوقت، حتى في نوبات الاضطرابات الشديدة مثل الكساد العظيم.
المؤرخ الاقتصادي جيفري وود في عام 2000 قدم ورقة بحثية جاء فيها "ارتفعت الودائع المصرفية في الفترة من كانون الثاني (يناير) إلى آذار (مارس) 1931، وفي عام 1931 ظهرت بعض المؤشرات على اقتراب الانكماش في النشاط من نهايته. ارتفع الإنتاج الصناعي في الفترة من كانون الثاني (يناير) إلى نيسان (أبريل)، وتباطأ معدل انخفاض التوظيف في المصانع بشكل حاد. لكن اندلعت أزمة مصرفية ثانية في آذار (مارس). وقام الجمهور بتحويل الودائع (...) وباعت البنوك الأصول لزيادة السيولة. أدى هذا الإجراء إلى ضغط نزولي على مخزون المال، تم تعويضه جزئيا فقط من خلال التدفقات الواردة من الخارج. لم يتحرك بنك الاحتياطي الفيدرالي لموازنة هذا الضغط".
في العصر الرقمي، يبدو أن وجود فجوة زمنية قصيرة بين الحدث الأولي والتهافت على البنك لسحب الودائع أمرا معقولا. لكن حتى في عصر الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، يمكن أن تكون المستويات الإجمالية للودائع ثابتة بشكل مفاجئ.
يمكن أن تحدث حالات الذعر المسببة للركود بدون تدافع لسحب الودائع. في 2008، مثلا، بالكاد كان للتدافع أي تأثير. قد يكون المؤشر الأكثر ملاءمة هو تكاليف تمويل الشركات التي ارتفعت بشكل حاد خلال 2008.
عامل آخر هو ما سماه جون مينارد كينيز "الأرواح الحيوانية"، عبارة تعني كيف تؤثر الانفعالات البشرية في القرارات المالية في زمن التقلبات.
هايمان مينسكي ـالخبير الاقتصادي الذي بدلا من افتراض أن الكساد العظيم كان شيئا من الماضي، تساءل عن الظروف التي يمكن أن توجد كسادا آخر- وضع تأثير هذه الأرواح الحيوانية في ظروف الائتمان في صميم عمله.
في كتابه "الجنون والذعر والانهيارات" كتب تشارلز كيندلبيرجر "قال مينسكي إن نمو الائتمان المصرفي كان غير مستقر للغاية. في بعض الأحيان أصبحت البنوك باعتبارها جهات مقرضة، أكثر ابتهاجا وأقرضت المال بحرية، ثم في أوقات أخرى أصبحت حذرة للغاية وتركت المقترضين يتأرجحون في مهب الريح".
النظر في استطلاعات للرأي، مثل إصدار هذا الشهر من الاستطلاع ربع السنوي الذي يجريه الاحتياطي الفيدرالي لمسؤولي القروض، يقدم بعض المؤشرات على إذا ما كانت البنوك على وشك السماح لمقترضيها "بالتأرجح"، وتحديد إذا ما كان الاقتصاد العالمي مرنا بما فيه الكفاية لتحمل نوبة جديدة من الاضطراب المصرفي.
في هذه الأثناء، من المهم بالنسبة إلينا أن نكون أقل تشبها بأساتذة الاقتصاد في العقود الماضية وأكثر تشبها بمينسكي، أن لا نعد أي شيء أمرا مسلما به.

الأكثر قراءة