مساءلة المصرفيين .. أسمع جعجعة ولا أرى طحنا
بعد ساعات من ضغط السلطات السويسرية على بنك كريدي سويس للاندماج مع منافسه المحلي "يو بي إس"، أرسل قادة كريدي سويس بريدا إلكترونيا إلى الموظفين. كتب أكسل ليمان الرئيس، وأولريش كورنر الرئيس التنفيذي: "لا تقلقوا، المكافآت والعلاوات المقررة مسبقا ستجري حسب المقرر".
يأتي هذا عقب أنباء تفيد بأن جريج بيكر الرئيس التنفيذي لبنك سيليكون فالي، باع نحو 30 مليون دولار من الأسهم على مدار العامين الماضيين، بما فيها مجموعة قيمتها 3.6 مليون دولار باعها قبل أيام فقط من إثارة البنك تدافعا لسحب الودائع من خلال كشفه عن خسائر كبيرة في مبيعات الأوراق المالية. واضطرت المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع إلى إنقاذ مقرض كاليفورنيا.
عندها تم تشغيل أسطوانة الغضب المعتادة. سارع الرئيس جو بايدن وأعضاء الكونجرس، من كلا الحزبين، إلى اقتراح تشريع يسهل استعادة المكافآت أو عائدات بيع الأسهم من المديرين التنفيذيين في البنوك المفلسة من جميع الأحجام ومنعهم من العمل في الصناعة. قال بايدن: "لا أحد فوق القانون، تعزيز المساءلة رادع مهم لمنع سوء الإدارة في المستقبل".
لكن المطالبة بالمساءلة أسهل بكثير من تطبيقها. بعد الأزمة المالية عام 2008 وعد السياسيون والسلطات التنظيمية بإعادة كتابة هيكل الحوافز للعمل المصرفي. قالوا إن المديرين التنفيذيين لم يعد بإمكانهم جني الجانب الإيجابي من الرهانات المحفوفة بالمخاطر، بينما يعتمدون على دافعي الضرائب لاستيعاب الخسائر عندما تتحول الأسواق.
اتفق الجميع على أن الأجور يجب أن ترتبط على نحو أوثق بالنتائج طويلة الأجل، من خلال تأجيل الدفع والاسترداد إذا تفاقمت الخسائر لاحقا. قانون دود -فرانك لإصلاح وول ستريت لعام 2010، الخاص بحماية المستهلك، وجه السلطات التنظيمية الأمريكية إلى سن قوانين رسمية لهذا الغرض. كذلك أدرجها الاتحاد الأوروبي في قوانينه إلى جانب تحديد سقف للمكافآت.
مع ذلك استمرت الفضائح. تورطت عشرات البنوك العالمية في التلاعب بأسعار فائدة ليبور وأسعار صرف العملات الأجنبية في العقد الأول من القرن الـ21. أنفق "ويلز فارجو" مليارات لدفع غرامات بسبب مستهدفات مبيعاته العالية، التي دفعت موظفيه إلى فتح ملايين الحسابات المزيفة خوفا من فقدان وظائفهم.
مع ذلك، أسهمت الظروف المالية المواتية في تصديق أن التغييرات في نظام الأجور والمساءلة جعلا البنوك أكثر أمانا، إن لم تكن في الواقع ألطف أو تحسنت ثقافيا. الآن اتسعت مداركنا.
مستشارو بنك سيليكون فالي والمشرفون في الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو حذروا المديرين التنفيذيين منذ أكثر من عام من عدم قدرة البنك على مراقبة مخاطر أسعار الفائدة وإدارتها في محفظته للأوراق المالية. مع ذلك، هذا الأمر قوض ثقة المودعين والمستثمرين على نحو مهلك، بتكبدهم خسائر كبيرة في تلك الحيازات عندما ارتفعت أسعار الفائدة. "كريدي سويس" اتخذ سلسلة من القرارات السيئة في تعاملاته المحفوفة بالمخاطر مع صندوق أركيجوس وشركة جرينسيل كابيتال، وزاد من اضطراب السوق الأسبوع الماضي باعترافه بوجود "نقاط ضعف جوهرية" في ضوابطه المالية.
عمل هذا البنك على تضمين كل من تأجيل الدفع والاسترداد في خطط رواتبه، وقالت السلطات السويسرية الثلاثاء إنها منعت "كريدي سويس" من دفع 1.25 مليار فرنك سويسري من الأجور المؤجلة المسجلة مسبقا في سجلاته. لكنها لم تمنع دفع المكافآت النقدية لهذا العام، "لتجنب التأثير على الموظفين الذين لم يتسببوا في الأزمة بأنفسهم".
لكن الولايات المتحدة لم تنته أبدا من كتابة تلك القوانين المتعلقة بالأجور والمساءلة. تم تقديم مسودتين مختلفتين مقترحتين، إحداهما في 2011 والأخرى في 2016، لكن لم تتم كتابتهما في صيغة نهائية، جزئيا بسبب خلافات عميقة حول أفضل السبل لتطبيقهما.
يجادل دينيس كيليهر، من مجموعة بتر ماركتس الخاصة بالمستهلكين، بأن قوانين الأجور قاصرة ويجب على السلطات استغلال سلطاتها الجزائية أكثر عند الإشراف على القطاع: "ضع اثنين منهم في السجن وستفاجأ بامتثال أفضل لقوانينك".
لكن الادعاء العام فشل إلى حد كبير في توجيه اتهامات مثبتة، خاصة ضد الإدارة العليا. نادرا ما يرسل الرؤساء التنفيذيون رسائل بريد إلكتروني عن قرارات تشغيلية محددة. راودت المملكة المتحدة فكرة عكس مهمة تقديم الإثبات ليتولاها كبار مديري البنوك ومطالبتهم بإثبات أنهم لم يتسببوا في خرق تنظيمي، لكنها تخلت عنها في 2015.
بعد نحو ثمانية أعوام من إعلان سوء تصرف "ويلز فارجو"، رفع الادعاء العام الأمريكي أول دعوى قضائية. الأسبوع الماضي أقرت كاري تولستيدت، التي كانت ذات يوم رئيسة للخدمات المصرفية للأفراد، بعرقلة تحقيق مصرفي يتعلق بعدم إفصاحها عن إحصاءات الموظفين المفصولين في مذكرة عام 2015. لم يتم توجيه الاتهام إلى أي شخص بسبب مستهدفات المبيعات التي عرضت الموظفين إلى ضغط عال ودفعتهم إلى سوء التصرف في المقام الأول.
رغم كل الخطاب المحتدم عن المساءلة الآن، من المرجح أن يكون الواقع مختلفا بعض الشيء. كلما زادت البنوك المقرضة المضطربة، سهل على قادتها ادعاء أن ما من أحد كان بإمكانه توقع المتاعب، وبالتالي يصبح تجريم الإهمال أصعب.