رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


إدارة الذات قبل إدارة الآخرين

من المتطلبات الأساسية لإدارة الغير، وإدارة كل شيء آخر، إدارة الذات. قد نرى مديرا لا يستطيع ترتيب جدوله اليومي، أو أحد الوالدين يحاول تربية أبنائه اقتصاديا واجتماعيا وهو يعجز عن إدارة ميزانيته الصغيرة أو علاقاته المحدودة بنجاح. إدارة الذات متطلب طبيعي وأكيد للنجاح الشخصي، ولإدارة الآخرين، وللقيادة دون أدنى شك. لا يوجد قائد فاعل لا يملك من الوعي الذاتي ما يكفي للسيطرة على أفكاره وعواطفه وسلوكياته التي يحتك بها مع الآخرين، ولا يوجد قائد فاعل لا يملك من الدراية حول مناطق الضعف والتحسين ما يطور من مهاراته وقدراته.
يسترجع كثير من المتحدثين عن النجاح فكرة ترتيب السرير كل صباح كشرط أو متطلب لبداية يوم سعيد وفاعل. ومع أن هذا التصوير رمزي جدا، ولا يعد ترتيب السرير ـ حرفيا ـ نموذجا أو طريقة لأول وأهم خطوات النجاح إلا أن رمزية فكرة ترتيب السرير ذات أهمية بالغة في مسألة إدارة الذات. فهي تبني مسألة الانضباط الذاتي وتؤكدها وتحولها إلى عادة يومية يسهل التعاطي معها. والإنجاز الصغير ـ حتى لو كان مجرد ترتيب للسرير ـ يعد تدريبا جيدا للتفاعل مع العمل والإنجاز، مع الالتزام والتحقيق، مع الفعل والنتيجة. وهذا بدوره قد يتحول إلى معادلة معتادة يمكن تطبيقها على أمور أكبر بكثير. السيطرة على قدر مناسب مما يحيط بالشخص من يوميات يمنح شعورا مشبعا يساعد على تجاوز التحديات والحفاظ على حيز من الإيجابية المهمة. تبنى هذه الأفكار والسلوكيات ـ التي يقلل منها كثيرون باعتبار أنها مثاليات في عالم تطوير الذات ـ إحساس الثقة والسيطرة، وهذا الإحساس مؤسس رئيس لرحلة التأثير والقيادة، على كل المستويات من إدارة الذات حتى إدارة الآخرين.
يتمنى بعض من يتعامل مع المديرين أن يشاهد المديرون أنفسهم وهم يمارسون سلوكياتهم العجيبة، من الصعب جدا أن نجد تبريرات واضحة تفسر ما يقومون به. لذا نسمع من يعتقد بوجود سوء نية وإصرار منهم على الإضرار بالآخرين، أو حالة قوية من عدم الاهتمام بالآخرين. لكن ما يحصل هو أن هذا المدير مغيب عن واقعه فهو ضعيف في قدراته الاستكشافية لذاته، لا يعرف تحيزاته التي يقع فيها باستمرار، ولا يقيم افتراضاته التي يبنيها على تصورات سقيمة ـ مع أن التحقق منها سهل ـ ولا يعرف حدوده أو أثر كلماته وأفعاله، في الآخرين، والكيان، والمستقبل، وأي سياق يتعامل به ويؤثر فيه. القدرة على استكشاف الذات مدخل مهم للتعرف على الذات، وهذا يجعلنا نعرف الزوايا العمياء لتحركاتنا ويحسن من تفاعلنا مع الآخرين.
هناك مدير يسيء التصرف مع الغير، لكنه يقع في الإساءة مرة ويتفاداها مرات. مثل هذا تجده في تطور مستمر فهو يعيش دورة الاستكشاف والتعرف الذاتي بشكل فاعل وعملي. وهناك مدير يسيء التصرف ويكرر ذلك بلا تنبه. مثل هذا قابع في ورطة إدارة بيعه ما لا يملك ومحاولة تمرير ما لا يفهم وهو غائب عن واقعه.
إدارة الذات وما تتطلبه من انضباط ذاتي لا تعني أن يصبح الشخص نموذجا في جميع حالاته، ولا تعني المثالية في معظم ما نفعل. هناك من يضع نفسه في دائرة اليأس مبكرا لأنه يرى نفسه بعيدا عن المثاليات ولا يعتقد أن التميز مكتوب له في مساعي حياته. وهذا معوق ذاتي نصنعه بأنفسنا، فهناك كثير من نماذج القادة المؤثرين الذي لا يقتربون من المثالية بأي شكل من الأشكال، فيهم من الفوضى وصعوبة التنبؤ بتصرفاتهم أو في مغامراتهم غير المحسوبة الكثير، لكنهم يجيدون ممارسات القيادة باقتدار، ويملكون من سمات النجاح الكثير. وهذا لأن خصائص القيادة لا تتعارض مع كثير مما نراه أحيانا ونظن بأنه خروج عن المألوف أو تمرد أو فوضوية. نعم، الصور المثالية تجمع كل المحاسن لكنها أقرب إلى الخيال من الحقيقة، ونقيضها من يحاول إدارة الغير دون أن يبدأ بنفسه. وهناك المتزن في إدارة ذاته وعيا وسلوكا وانضباطا، رتب سريره أم لم يرتبه، تجده يوسع دائرة تأثيره في الأشياء والأشخاص من حوله بشكل متصاعد ومستمر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي