السيارات وأسعارها .. منافسة أم احتكار؟
تكاد جميع مراكز الأبحاث العالمية والتقارير الاقتصادية الدورية المختصة أن تجمع على أن 2020 هو العام الأشد قسوة على قطاع السيارات العالمي مع توقف الإنتاج بسبب انتشار جائحة COVID-19، ثم ما تبع ذلك من مشكلة النقص في أشباه موصلات السيارات، وهذا النقص في الرقائق أدى إلى تراجع الإنتاج العالمي بنحو 11.3 مليون سيارة في 2021 وإلى النقص في حدود سبعة ملايين سيارة في 2022، وذلك رغم أن مبيعات السيارات العالمية قد وصلت إلى 66.7 مليون وحدة مبيعة في 2021، ويستمر النمو حتى 2023 لكنه سيبقى أقل من 2019.
وقد كان السبب الرئيس في تراجع أعداد السيارات المصنعة على مستوى العالم، وعدم قدرتها على العودة إلى مستويات إنتاج 2019، يعود إلى النقص في رقائق السيارات، وهذا ليس محصورا في محطات التجميع النهائية بل حتى مع مصنعي المعدات الأساسية، حيث لم يعد بإمكانهم شراء كميات كافية من الرقائق، وفاقمت الحرب في أوكرانيا الأوجاع والآلام على سلسلة توريد أشباه الموصلات ومن ثم صناعة السيارات، حيث إن أوكرانيا توفر 25 إلى 35 في المائة من غاز النيون، وتورد روسيا 25 إلى 30 في المائة من البلاديوم، وكلاهما يعد جزءا مهما من عملية تصنيع أشباه الموصلات، إضافة إلى هذه الأسباب هناك تغيرات في الطلب العالمي، حيث بدأت السيارات الكهربائية EVs والهجينة تشهد نموا قويا وتدخل بقوة في دائرة المنافسة.
ووفقا لتقارير دولية فقد تضاعفت مبيعات السيارات الكهربائية "بما في ذلك السيارات الهجينة والكهربائية بالكامل" في 2021، لتسجل رقما قياسيا جديدا بلغ 6.6 مليون واستمرت المبيعات في الارتفاع بقوة حتى 2022، وبلغ عدد السيارات الكهربائية على طرق العالم بحلول نهاية 2021 نحو 16.5 مليون، أي: ثلاثة أضعاف العدد في 2018. ومن المتوقع أن تتجاوز مبيعات السيارات الكهربائية في السوق، مع نمو بنحو 48 في المائة في 2022 لتصل إلى 9.4 مليون وحدة على مستوى العالم.
كل هذه التقلبات التي يشهدها قطاع السيارات في العالم تعد تقلبات مفهومة، ولا مفر منها تقريبا، وهي تعد ضمن المخاطر المنتظمة التي تصيب السوق ولا بد لكل من يتعامل مع هذا القطاع أن يقبل هذه التقلبات، لكن رغم هذه الحقيقة الواضحة فقد أثار اجتماع لجنة التجارة والاستثمار في مجلس الشورى مع ممثلي وزارة التجارة الأسئلة بشأن دور الوزارة والإجراءات المتبعة والخطة الزمنية المتوقعة لمعالجة تأخر وكالات السيارات في تسليمها للعملاء وارتفاع أسعارها، وهذه الأسئلة أتت بالطبع كنتيجة لما تضج به وسائل التواصل الاجتماعي من شكاوى طبقا لهذا الواقع المعاش بشأن تأخير وكالات السيارات في تسليم سياراتهم الجديدة رغم حجزهم لها وانتظارهم فترات تتخطى بضعة أشهر، مع توافر هذه السيارات المستوردة بواسطة الوكلاء المحليين وباستمرار في صالات ومعارض بيع السيارات بأسعار مبالغ فيها أعلى بكثير من سعر بيع الوكالات، حيث رصدت الارتفاعات بنسب متفاوتة، ما يعنى أن المشكلة لم تتجاوز المخاطر المنتظمة التي أشرنا إليها والمتعلقة بالسوق العالمية وتقلباتها، بل أصبحت هناك تفضيلات في العملاء، واتفاقيات ضمنية لرفع الأسعار، وتجفيف المنابع، وقضايا تتعلق بضعف الشفافية بشأن مواعيد التسليم وعدم الالتزام بها، وهذا ما يزيد من ارتباك السوق، وقد يصنع سوقا سوداء غير منظمة، ما يخل بعدالة المنافسة، وحقوق المستهلك، وما يؤكد وجود هذه الظواهر ما صدر عن مجلس إدارة الهيئة العامة للمنافسة في حزيران (يونيو) 2022 بدراسة هيكل قطاع بيع السيارات وخدمات ما بعد البيع وقطع غيار السيارات وأثر سلوك المنشآت العاملة في المنافسة، وذلك للرفع بها للجهات المختصة بحسب الإجراءات المتبعة، كما أصدر المجلس في ذلك الوقت قراره بالموافقة على اتخاذ إجراءات التقصي والبحث وجمع الاستدلالات والتحقيق في احتمال قيام عدد من شركات ووكلاء ومعارض السيارات والأطراف ذوي العلاقة بمخالفة أي من مواد نظام المنافسة ولائحته التنفيذية.
كما صدر عن وزارة التجارة بيان في نيسان (أبريل) 2022، بشأن التحقيق في منح وكالات السيارات أفضلية بيع السيارات الجديدة لموزعي ومعارض السيارات، وتأخير تسليم السيارات للمستهلكين، ثم أعلنت الوزارة في أيار (مايو) 2022، أنه اتضح تكدس قوائم طويلة للحجوزات إضافة إلى ارتفاع أسعار بعض أنواع السيارات وتأخير تسليم بعض الطلبات للمستهلكين وقد اتخذت الوزارة عددا من الإجراءات تضمنت تواصل وزارة التجارة مع الشركات المصنعة لزيادة الحصة المخصصة للمملكة من السيارات الأكثر طلبا في السوق المحلية، ومنح وكلاء السيارات المستهلكين الأفراد الأولوية في توفير السيارات الأكثر طلبا، وتخفيض نسبة السيارات المخصصة للموزعين والمعارض، والرقابة على الموزعين والمعارض لضمان عدم وجود ممارسات مخالفة وضارة بالمستهلك في بيع السيارات ورفع أسعارها وإيقاع الجزاءات حيال المخالفين، وحوكمة قوائم الحجز لدى وكالات السيارات، وتعزيز الشفافية بمنح المستهلكين أرقاما للحجز ترتبط برقم الهوية وتحديد الأولوية بدقة في قوائم حجز السيارات، ومن ذلك إلزام وكلاء السيارات بالإفصاح عن الأسعار والسياسات والتعليمات والإجراءات الخاصة بآليات "الشراء، حجز السيارة، الإدراج على قوائم الحجز، تسليم السيارة، الصيانة الدورية، قنوات الاتصال المخصصة لتلقي الاستفسارات والشكاوى" على مواقعهم الإلكترونية وإيقاف شركات تأجير السيارات عن بيع السيارات الجديدة استغلالا لارتفاع الأسعار.
كل هذه الإجراءات المتبوعة بالملاحظات السوقية كانت تهدف إلى معالجة تأخير تسليم السيارات للمستهلكين ومنع ظاهرة منح أفضلية البيع لموزعي ومعارض السيارات، لكن مع عودة مجلس الشورى إلى مناقشة هذه القضية حتى بعد مرور عام كامل على هذه الإجراءات، فهذا يشير إلى أن الظاهرة لم تزل قائمة ولا يزال المستهلكين يعانون الأسعار وتجفيف المنابع وتفضيل الموزعين، ولذا تبقى الأسئلة قائمة بشأن فاعلية هذه الإجراءات، والتزام الوكالات بها، وهل المسألة تتعلق بالمنافسة ووجود ظواهر احتكار القلة، أو الاتفاق على الأسعار ما يتطلب معه فرض غرامات على هذه الوكالات والموزعين نتيجة الإخلال بنظام المنافسة.