الاضطراب المالي لم ينته بعد .. انتبهوا للعقارات

الاضطراب المالي لم ينته بعد .. انتبهوا للعقارات

هناك قول استثماري قديم مفاده بأن الأسواق الصاعدة تدوم أطول مما تعتقد وأن الأسواق الهابطة تضرب أكثر مما تتخيل. هذا هو أحد الأسباب التي ينبغي أن تجعل المستثمرين إيجابيين معظم الوقت. لكن من المفيد توخي الحذر مرة كل ثمانية إلى عشرة أعوام. الموجة الأخيرة من إخفاقات البنوك تشير إلى أن هذه اللحظة هي إحدى تلك اللحظات.
صانعو السياسة يرغبون في طرح فكرة أن إخفاقات البنوك هذه فردية ومن غير المرجح أن تؤدي إلى أزمة نظامية أوسع. نحن غير مقتنعين. أولا، لدينا وجهة نظر مختلفة لطبيعة المخاطر الشاملة. وثانيا، لقد أدى عقد من أسعار الفائدة المنخفضة والأموال السهلة إلى تشويه مخصصات رأس المال بطرق تزيد من مخاطر حدوث أزمة شاملة.
لقد أظهرت الأزمات المالية المتعاقبة أن المخاطر الشاملة مضاعفة. يمكن أن يكون لفشل كيان صغير عواقب وخيمة على النظام بأكمله. وتميل التصدعات إلى الظهور في أضعف الروابط في الأنظمة، وليس بالضرورة في أكبرها. رغم ذلك، لا يزال صانعو السياسات مهووسين بالمؤسسات الكبيرة باعتبارها ذات أهمية نظامية، فقط ليصدموا من قبل اللاعبين الصغار الذين لديهم رأس مال أقل وتنظيم أقل.
الموجة الأخيرة من إخفاقات البنوك الأمريكية هي أيضا أحد أعراض ما نسميه "التدمير الكمي": وهو التفكيك المنهجي للهياكل المؤسسية التي نشأت وازدهرت في عقد من معدلات فائدة تقترب من الصفر وسيولة سهلة. إن أكبر، وأسرع، وأوسع تشديد لأسعار الفائدة منذ 40 عاما، إلى جانب تخفيض الميزانية العمومية للبنك المركزي، يمثلان تحديا لأجزاء من النظام المالي. لم يتم اختبار عديد من نماذج العمليات التجارية والتمويل والتخلف عن السداد بشكل كاف استعدادا لتحول مفاجئ كهذا. رأينا هذا العام الماضي عندما تعرضت العملات المشفرة واستراتيجيات صناديق التقاعد البريطانية للضغط.
إذا كان 2022 يتعلق بإعادة تسعير المال، فمن المرجح أن يكون 2023 متعلقا بتخفيض كمية المال، حيث يضع "التدمير الكمي" الأصول البديلة والمؤسسات المالية غير المصرفية تحت الاختبار بعد نموها السريع أخيرا.
لقد أدى عقد من معدلات الفائدة الصفرية إلى البحث عن العائد، الذي أدى بدوره إلى ارتفاع مخصصات محافظ صناديق التقاعد للعقارات التجارية والبدائل من 15 في المائة في 2007 إلى 23 في المائة بحلول 2022، وفقا لمعهد ويليس تاورز واتسون للتفكير المستقبلي. ويمكن أن تكون العقارات بؤرة تقلبات رئيسة في 2023. تضررت أسعار العقارات السكنية بشدة بالفعل من ارتفاع أسعار الفائدة، والآن تنخفض أسعار العقارات التجارية أيضا. في النهاية، سيتعين على مالكي الأصول والبنوك المقرضة إعادة تسعير أصولهم العقارية. وإضافة إلى حقيقة أن تمويل نحو 60 في المائة من قروض العقارات التجارية الأمريكية البالغة 2.9 تريليون دولار من قبل البنوك الصغيرة، تكون مظاهر التوتر في طريقها إلى الارتفاع.
لقد حققت الديون الخاصة وحقوق الملكية مكاسب أيضا من عوائدهما المرتفعة وتقلباتها المنخفضة (نظرا إلى أن تقييماتها غالبا ما لا يتم تحديدها بسعر السوق). فعندما كانت السيولة وفيرة، كان في إمكان الشركات الخاصة الوصول بسهولة إلى أسواق الديون والأسهم. وهذا يصبح أصعب مع ارتفاع معدلات الفائدة وتبخر السيولة.
قد يضطر مالكو الأصول إلى الوفاء بالتزاماتهم بالاستثمار عند الطلب. للقيام بذلك، قد يحتاجون إلى بيع أصولهم المدرجة في البورصة، وتصفية ما يمكنهم بيعه، وليس ما يريدون بيعه (كما حدث في أزمة صناديق المعاشات التقاعدية في المملكة المتحدة حول ما يسمى استراتيجيات الاستثمار المدفوعة بالالتزامات). سلطت ورقة بحثية حديثة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك الضوء على كيفية أن بيع الأصول غير المصرفية من قبل المؤسسات المالية غير المصرفية بأسعار زهيدة استجابة للأزمة - تمثل الآن 60 تريليون دولار من الأصول العالمية - يمكن أن يضخ المخاطر الشاملة مرة أخرى في النظام المصرفي.
المخاطر المالية المتزايدة هي أيضا أحد أعراض تقليص المديونية على نطاق أوسع. فبين عامي 2008 و2021، أدى توسع ميزانيات البنوك المركزية إلى ارتفاع حاد في الاقتراض. ارتفعت المديونية العالمية غير المالية في تلك الفترة من 182 في المائة إلى 257 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
وإلى جانب تحول البنوك المركزية إلى التشديد الكمي، تراجعت الديون غير المالية تلك إلى 238 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي (مع استمرار انخفاض الدين الأمريكي غير المالي كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي لأول مرة منذ أوائل خمسينيات القرن الماضي). وبينما قد يرى المصرفيون المركزيون تخفيض الميزانية العمومية إلى حد كبير عملية فنية، فإن القطاع المالي يستشعر أنها تقليص تقليدي للمديونية.
في بداية كل أزمة شاملة، توصف حالات الفشل المالي بأنها حالات فردية. ومع انتشار وتيرة الفشل المالي وحجمه، يصبح من الصعب الحفاظ على هذه الرواية. لقد وفر عقد من أسعار الفائدة الصفرية والسيولة السهلة الشروط المسبقة لأزمة شاملة، مع نمو سريع للأصول والابتكار المالي اللذين يشجعان الوافدين الجدد إلى الدخول في مناطق خفيفة التنظيم. إننا نعتقد أن لدى "التدمير الكمي" الذي يغذيه مزيج سام من ارتفاع معدلات الفائدة، وتقليص المديونية، والتقييمات المرتفعة للأسهم القدرة على تحويل تلك المخاطر المالية من فردية معزولة إلى شاملة.
*مؤسس مشارك وكبير استراتيجيي الاستثمار في أبسوليوت استراتيجي ريسيرش

الأكثر قراءة